إنتفض جسده في ألم عنيف وهو يرمق تلك الجثة الهامدة بجواره بمشاعر متناقضة متصارعة مابين حب وبغض وندم وحقد . .
لم تكن سوي جثة زوجته القاتلة . . والتي لقيت جزائها بنفس الإسلوب الذي أرادت أن تقتله به . .
بدأ الأمر كله بمجرد فكرة حرص أشد الحرص علي أن تظل بطي الكتمان لكنها وصلت بطريقة ما لمسامع زوجته فجن جنونها وأضمرت في نفسها شرا . .
فكرة طبيعية جدا بالنسبة لمن هم في مثل حالته تلك . . لكنها كانت بالنسبة لزوجته بمثابة خنجر شق كبرياءها وعزتها في عنف . .
الزواج للمرة الثانية . . نعم كان هذا هو مضمون هذه الفكرة وركنها الأساسي . .
ليس لأنه لا يحب زوجته بل بالعكس فقد تزوجا بعد قصة حب إسطورية أثارت حسد وإعجاب جميع من أحاطوا بهاذين العاشقين . .
كان مجرد ذكر إسم أحدها للآخر يجعل قلب كل منهما يخفق بقوة ولهفة وقشعريرة لذيذة تسري بجسديهما . .
كان كل منهما مستعد للتضحية بكل غال ونفيس في سبيل إسعاد الآخر . . وكان معظم حديثهما بالعيون وما أدراك ماحديث العيون . . حديث نابع من القلب إلي القلب بلا وسيط أو تزويق . .
وقد دام ذلك حتي بعد الزواج . . فلم تبرد نار حبهما بل إزدادت توهجا وتألقا . .
ومرت سنة وإثنتان وثلاث ولازال كل شيء علي مايرام . . وإن بدأ القلق يزحف رويدا رويدا . .
ثم كانت الصدمة وتلتها الفكرة . .
الصدمة تمثلت في عبارة واحدة قاسية جدا :
" أنت سليم تماما . . ولكن للأسف الشديد إن زوجتك غير قادرة علي الإنجاب لعيب خلقي مستديم برحمها " هكذا واجههما طبيبهما المعالج بقوله . .
كانت صدمة قاسية وحقيقة مرة بطعم العلقم تأكدت تماما بعد مقابلة أكثر من طبيب أختصاصي . .
ومنذ ذلك الحين إنقلبت حياتهما رأسا علي عقب وإتجهت نحو الأسوأ بوتيرة متسارعة . .
فكان لابد من حل جذري فالعمر يزداد والحوجه لحفظ إسمه وصفاته صار أمرا حتميا . .
وفي غمرة غضبه ويأسه . . أسر إليه أحد أصدقائه بفكرة الزواج من أخري . .
في البداية رفض رفضا باتا متعللا بأنه لايزال يعشق زوجته ولايريد أن يجرحها بزواجه فهي لازالت مصدومة بخبر عدم إنجابها . . ثم لم يلبث أن بدأ يلين تدريجيا بمرور الأيام . .
وأخيرا إتخذ القرار . .
وتم إختيار العروس المنتظرة . . وبدأ بالتجهيز بصمت . .
ولكن تجري الرياح بما لاتشتهي السفن . .
ففي إحدي جلساتها مع صديقتها المقربة (زوجة صديقه) . .
قالت لها :
" هل علاقتك بزوجك ليست علي مايرام ؟ " . .
قالت زوجته بحذر بعد فترة صمت وجيزة :
" لماذا تسألين ؟ " . .
قالت صديقتها بدهشة :
" ألا تعلمين بأن زوجك يريد أن يتزوج بأخري وبدأ بالتجهيز لذلك بالفعل ؟ " . .
قالت زوجته بغضب بعد أن تمالكت نفسها بصعوبه وهي تنهض بحركة مفاجئة :
" لا أعلم ذلك !! " . .
وبدأ جحيم أرضي من نوع خاص يعصف بحياتهما . .
وفي إحدي نوبات غضب شديدة أجتاحتهما معا . .
أختمرت برأس كل منهما فكرة واحدة سيطرت تماما علي كيانهما :
" السم " . .
وقد كان . .
فقد إشتري كل منهما بدون علم الآخر سما مطورا لا يظهر بالتحاليل . . ومن نفس المكان بالصدفة !! . .
فوضعته بطعام الإفطار . .
وأعلنت أنها ستكتفي بالعصير لأنها تتبع حمية غذائية خاصة لإنقاص الوزن . .
فأخبرها بإحتياجة لجرعة ماء . . وما أن قامت لإحضارها حتي أفرغ محتويات قنينة السم بكأس العصير . .
وراقب كل منهما الآخر في حذر . .
وما أن إنتهي من طعامه وإنتهت من عصيرها . . حتي إبتسمت في خبث وهي تقول بكلمات تقطر حقدا وتشفي والدموع تنساب من عينيها في تناقض عجيب . . وقد رأت علامات الألم ترتسم علي وجهه :
" لن تستطيع الزواج بأخري أبدا . . لم تترك لي خيارا آخر . . فقد أحببتك بعنف ولا أستطيع أحتمال فكرة أن تشاركني فيك أخري كما أن كرامتي وصورتي أمام صديقاتي أهم عندي من أي شيء سواك . . لذا فقد وضعت لك السم بالطعام و... "
بترت عبارتها وقد أمسكت بطنها وأخذت تتلوي من الألم . .
فجاء دوره ليضحك بألم والدم يتناثر من فمه وهو يقول :
" أنا أيضا أحببتك بكل جوارحي ولكن الإنجاب أمر لابد منه و يبدو أن أفكارنا متشابهة في كل شيء . . فقد سقيتك من نفس الكأس ووضعت لك سما بكوب العصير " . .
نظرت له نظرة مزقت نياط قلبه وشعر معها بندم شديد ثم شهقت وهمدت حركتها تماما . .
أما هو فقد بكي . .
نعم برغم كل ذلك كان و لايزال يحبها بعنف وقوة . .
ولكن فات الأوان وإعادة ماكان من الإستحالة بمكان . .
وكان هذا آخر ماجال بذهنه وهو يشهق وتهمد حركته تماما هو الآخر . .
وكل ذلك بسبب فكرة . .
تمت بحمد الله
12يوليو 2011 . .