" نفذوا ما وكلتم به علي بركة الله أيها الأبطال " . .
قالها القائد في حزم مخاطبا أفراد مجموعته الصغيرة . .
فانتشروا بسرعة وخفة وكمنوا في بقعة تم إختيارها مسبقا بعناية ودقة بعد دراسة متأنية للهدف إستغرقت قرابة الشهر . .
كانوا مجموعة من شباب المقاومة الملثمين يجمعهم حب الوطن والإعتزاز بعروبتهم وإسلامهم . . وقد اتفقوا علي بذل أرواحهم رخيصة في سبيل تحرير وطنهم المحتل بدون أدني وجه حق . .
أما الهدف فكان عبارة عن إحدي ثكنات العدو العسكرية . . والتي جلس أفرادها في غرفة الطعام بتراخ وكسل يتسامرون ويشربون . . وقد وقر في قلوبهم أن المقاومة لن تجرؤ يوما علي الإقتراب أو حتي مجرد التفكير بذلك . .
كانت -أي الثكنة- بمنطقة نائية خالية من العمران و محاطة بسور من الأسلاك الشائكة التي يسري بها تيار كهربائي بقوة ألف فولت عند غروب الشمس . . كما كان بها مولدان قويان يعملان بعد 50 ثانية وذلك لضمان تيار كهربي مستمر . .
كان التسلل وتنفيذ أي عمل يعد من الصعوبة بمكان . .
ولكن هيهات لشباب متحمس يؤمن بقضيته أن يستسلم أو يتقاعس . . مهما كان حجم الصعوبات أو نوعها . .
فكلهم يؤمنون بعبارة خبروها بأنفسهم و قرأوها كثيرا في صغرهم وانغرست بعقولهم :
" لا يوجد نظام متكامل و محكم مئة بالمئة . . لا بد من وجود ثغرة ما . . والحصيف الماهر هو من يستثمرها لصالحه . . فالكمال لله وحده " . .
كانت مجموعة المقاومة المنوط بها تدمير الهدف تتكون من عشرة أفراد من خيرة الشباب علي مستوي عال من التدريب والمهارة -تحت إشراف مجموعة متميزة من الضباط المتقاعدين-
يرأسهم عقيد ركن متقاعد في منتصف الخمسينات من عمره قوي البنية واسع الحيلة والذكاء يدعي (عمر) . . تمت إحالته للمعاش المبكر تحت ضغط سياسي قوي حاك العدو أطرافه في الخفاء وذلك بعد فشل العديد من محاولات إغتياله . . لأنه قد تسبب بتكبلهم لخسائر مادية ومعنوية عديدة . . حيث أنه كان يحقق إنتصارا رائعا في الكثير من المهمات التي توكل إليه . .
كان الشباب مدججين بعدد لا بأس به من الرشاشات الآلية و مدفع (آر بي جي) وكمية من القنابل الموقوتة واليدوية وقنابل الغاز المسيل للدموع . .
و ما أن سمعوا الإشارة حتي بدءوا التحرك . .
فزحفوا ببطء وصبر علي الرمال وقد إرتدوا زيا مموها ولثاما بنفس لون الوسط المحيط بهم -الرمال- ثم قام أحدهم بعمل فتحة بالسور تتسع لمرور رجل واحد . .
وبعد عبورهم منها قسمهم (عمر) لثلاث مجموعات . . كل مجموعة تتكون من ثلاثة أفراد . .
مجموعة ظلت في مكانها بجوار السور . .
وزحفت المجموعة الثانية وقامت بزرع عدد من القنابل الموقوتة في عدد من سيارات الجيب المتوقفة بالجانب الأيسر من الثكنة . . وكذلك بالقرب من مولدات الكهرباء وبرج المراقبة الخالي من الحراس . . وتم ضبطها لتنفجر بعد 5 دقائق فقط . . ثم زحف أفرادها بسرعة لمسافة كافية وربضوا بالقرب من السور . .
زحفت المجموعة الثالثة نحو الجانب الأيمن وتوزعوا خلف بعض المدرعات المتوقفة وقد أمسك كل منهم مدفعه الرشاش في تحفز وترقب . .
وحمل أحدهم مدفع (الآر بي جي) ووجهه نحو المدخل الرئيسي للثكنة في إحكام . .
أما (عمر) فقد حمل أحد المدافع الآلية وانتظر حتي تبقي من زمن الإنفجار 5 ثوان . .
ثم انطلق صارخا بحماس وقوة وهو يطلق رصاصاته نحو المدخل :
" الله أكبر ولا نامت أعين الجبناء . . الآن يا أبطال " . .
إنتبه جنود العدو لصوت الطلقات النارية . . فقال قائدهم في ذهول :
" ما الذي يحدث ؟! " . .
لم يجبه أحد . .
فقط نظركل واحد منهم للآخرين في دهشة وخوف وتركوا ما بأيديهم بسرعة وقد إلتقط كل منهم سلاحه وخرجوا لإستطلاع الأمر في توتر شديد . .
وما أن ظهر أولهم حتي انطلقت قذيفة (الآر بي جي) لتنسف مقدمة الثكنة في عنف وتطيح بمجموعة كبيرة منهم . .
ثم دوي إنفجار القنابل الموقوتة وتطايرت سيارات الجيب في تتابع رهيب مشتعلة في الهواء ثم تساقطت بقوة وقد ثناثرت شظاياها لمسافة بعيدة . . كما انفجرت غرفة المولدات بدوي إهتزت له المنطقة في عنف . .
وأخذ جنود العدو يحاولون الهرب في فزع شديد وقد أطلقوا رصاصات أسلحتهم في جميع الإتجاهات بلا تمييز . .
وكلما حاولوا الخروج إقتنصتهم رصاصات أبطال المقاومة الأشاوس وحصدتهم حصدا . .
ودار قتال شرس بين ماتبقي من قوي الشر المتمثلة في جنود العدو ، وقوي الخير المتمثلة في أبطال المقاومة . .
وفي النهاية رجحت كفة المقاومة . .
وإستسلم آخر جنديين من جنود العدو المحتل . . فتوفق إطلاق النار فورا . . إذ لم يكن من شيمة أفرا المقاومة قتل العزل والأسري حتي وإن كانوا من الأعداء . . هذا ما تعلموه من قادتهم ومن تعاليم الإسلام الحنيف . .
صحيح أن المقاومة قد انتصرت وكبدت العدو هزيمة نكراء . . ولكن كان لابد من دفع ثمن لذلك . .
وكما أن لكل حرب خسائر وضحايا كالعادة . . وأفراد المقاومة قبلوا القيام بهذه العملية وهم يدركون هذه الحقيقة . .
فقد جرح العديد منهم بدرجات متفاوته مابين سطحي وخطير . .
كما خسرت المقاومة أحد أبرع أفرادها ومؤسسيها . .
واستشهد (عمر) إثر رصاصة طائشة غادرة انطلقت عشوائيا من إحدي بنادق العدو في اللحظات الأخيرة من العملية . . واستقرت في قلبه تماما . .
وكان آخر عبارة رددها والدماء تتدفق من فمه بغزارة :
" الله أكبر ولا نامت أعين الجبناء " . .
تمت بحمد الله وفضله . .