| لصوص القــــمر .. د.نبيل فاروق | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
مدير المنتدي المدير العام
أوسمة : عدد المساهمات : 734 نقاط التقييم : 12165 تاريخ التسجيل : 13/05/2009 العمر : 38 الموقع : Sudan العمل/الترفيه : د.صيدلي
| موضوع: لصوص القــــمر .. د.نبيل فاروق الخميس فبراير 16, 2012 9:17 pm | |
| قبل أن تقرأ هذا العمل لم يكتب الآن، أو حتى منذ فترة قريبة، ولكنه كتب منذ ما يقرب من عقد من الزمان... كانت أيامها روايات مصرية للجيب فى ذروة نجاحها، عندما طلبت منى مؤسسة سعودية ، أن اكتب لها سلاسل قصصية مشابهة، يكون بطلها رجل أمن عربى.. أيامها بدأت هذه السلسلة، تحت اسم (رجل المستقبل)؛ لتجمع بين طبيعتى سلسلتى (رجل المستحيل)، وملف المستقبل، وكان شرطى الأوّل أيامها، ألا تصدر السلسلة فى (مصر)، حتى لا أنافس بها المؤسسة، التى نشأت تحت رعايتها... والآن، وبعد سنوات طوال، أعيد نشر هذه السلسلة على شبكة الانترنت .. د.نبيل فاروق | |
|
| |
مدير المنتدي المدير العام
أوسمة : عدد المساهمات : 734 نقاط التقييم : 12165 تاريخ التسجيل : 13/05/2009 العمر : 38 الموقع : Sudan العمل/الترفيه : د.صيدلي
| موضوع: رد: لصوص القــــمر .. د.نبيل فاروق الخميس فبراير 16, 2012 9:19 pm | |
| المقدمة (خالد سلمان)، رجل أمن عربى من طراز خاص..
طراز مستقبلى..
مقاتل من نوع نادر، يجيد عدداً من المهارات، من العسير أن يجيدها أقرانه فى عصرنا..
ولكنه يشترك معهم فى صفة لا تتغيَّر أبداً..
إنه يقاتل دائماً من أجل دينه..
ووطنه..
من أجل أن ينتصر الخير وتسود العدالة فى عالم المستقبل..
لذا فهو رجل خاص..
رجل المستقبل.
| |
|
| |
مدير المنتدي المدير العام
أوسمة : عدد المساهمات : 734 نقاط التقييم : 12165 تاريخ التسجيل : 13/05/2009 العمر : 38 الموقع : Sudan العمل/الترفيه : د.صيدلي
| موضوع: رد: لصوص القــــمر .. د.نبيل فاروق الخميس فبراير 16, 2012 9:22 pm | |
| الفصل الأول : القمر : الربع الأوَّل من القرن الحادى والعشرين.. الاستعدادات تجرى على قدم وساق، لإطلاق أقوى قمر صناعى عسكرى دفاعى عربى إلى الفضاء.. "إنه إنجاز عربى مائة فى المائة..". نطق قائد القوات الفضائية العربية المشتركة هذه العبارة، فى شئ من الزهو والثقة والارتياح، وهو يشير بعصاه الصغيرة إلى صورة ضوئية كبيرة للقمر الصناعى العربى (بدر - 1) ويتطلَّع إلى جموع الصحفيين، الذين تعلَّقت أبصارهم بالصورة فى لهفة، قبل أن يستطرد : - معظم الدول العربية شاركت فى إنتاج هذا القمر الصناعى، ولا عجب فى هذا، فمهمته الأولى هى حمايتنا من أية اعتداءات غادرة، والتصدى بقوة وحزم لكل المحاولات العدوانية. ارتفع صوت أحد الصحفيين يسأل : - وماذا عن الأسلحة؟.. ما الذى يحويه (بدر - 1) من أسلحة؟ ارتسمت ابتسامة متحفِّظة، على شفتى القائد، وهو يجيب : - لست أعتقد أن إجابة مثل هذا السؤال ممكنة، فهى تتجاوز نطاق السرية الطبيعية، فى الأمور العسكرية ولكننى أستطيع أن أقول أن قمرنا يحمل أقوى مدفعى ليزر عرفهما التاريخ العسكرى والفضائى. ثم اتسعت ابتسامته، وهو يدير عينيه فى وجوه الحاضرين، مضيفاً : - وإنه من حسن حظ الجميع، أن العرب لا يحملون فى أعماقهم ميولاً استعمارية. أثارت عبارته الأخيرة شيئاً من الرهبة، فى نفوس الحاضرين، وسأل صحفى فى تردد وحذر : - أيعنى هذا أن قوة (بدر - 1) وأسلحته، يكفيان لاحتلال دولة ما؟ أشار القائد بيده فى حزم، قائلاً : - لا تعليق. انهالت عليه الأسئلة فى لهفة وشغف، وراح يجيب عليها برصانته وتحفُّظه المعهودين، فى حين انزوى رجلان يحملان بطاقتين صحفيتين فى ركن قاعة المؤتمرات، وهمس أحدهما فى أذن الآخر: - هل سمعت؟!.. نفس ما توقعناه بالضبط. أومأ الثانى برأسه موافقاً، قبل أن يهمس بدوره : - هذا لا يتعارض مع خطتنا، بل يدفعنا للإصرار على تنفيذها، فمن الخطأ أن نسمح للعرب بامتلاك قوة ضاربة كهذه. صمت الأوَّل لحظات، قبل أن يقول فى شئ من التوتر : - ولكن الوقت يمضى بسرعة، وإعلانهم الخبر فى مؤتمر صحفى، يعنى أن العد التنازلى لإطلاق القمر قد بدأ، ولن يمضى أسبوع واحد، حتى يكونوا قد أطلقوه بالفعل، وعندئذ.. ولم يتم عبارته.. ربما لأنه لم يشعر بالحاجة إلى هذا، مع المعنى الواضح، أو لذلك الجفاف، الذى أصاب حلقه من فرط انفعاله.. ولكن زميله بدا هادئاً أكثر من اللازم، وهو يبتسم قائلاً : - اطمئن.. لدينا خطة لا تقبل الفشل. قالها وابتسامته تحمل الكثير من الثقة.. ومن الغموض.. * * * استنشق رائد الفضاء العربى (صالح) الهواء النقى، فى الصباح الباكر، وهو يغادر منزله، وحيَّا أفراد أسرته فى حرارة بالغة، وهو يقول مبتسماً : - سأغيب عنكم طويلاً هذه المرة، فسأقضى الأيام الأربعة القادمة كلها فى القاعدة الفضائية، كما تقتضى التعليمات، ثم انطلق مع الفريق لوضع ذلك القمر فى مداره. قال ابنه الصغير فى أسى : - ألا يمكنك أن تصحبنى معك؟.. لقد وعدتنى بمشاهدة مكوك الفضاء عن قرب. قهقه (صالح) ضاحكاً، وربت على رأس ولده الصغير، وهو يقول : - مرة قادمة بإذن الله يا صغيرى. وقفز داخل سيارته الرياضية الأنيقة، وهو يلوِّح بيده مستطرداً : - ولكننى أعدك بأن أحضر لك الكثير من الحلوى والهدايا عند عودتى. ظلَّ الجميع يلوِّحون له بأيديهم، وهو ينطلق بسيارته مبتعداً، وقاوم هو دمعة عاطفية، كادت تنهمر من عينيه، وهو يتمتم : - سأشتاق لهم كثيراً بالتأكيد. وهزَّ رأسه، وكأنه ينفض عنها حزنه، وتشاغل بصفير منغوم، للحن شعبى شهير، وهو ينطلق نحو القاعدة الفضائية خارج العاصمة.. وفجأة، فى بداية الطريق الموصِّل إلى القاعدة، لمح تلك السيارة.. كان الوقت مبكراً، والطريق خال تماماً، فى يوم الجمعة، ولكن تلك السيارة كانت تقف خارج الطريق الأسفلتى، بزاوية ميل ملفتة للأنظار، فوق الرمال القريبة، وإلى جوارها بدا جسد بشرى ملقى على الرمال، على نحو يوحى بأن صاحبه فاقد الوعى.. وبلا تردد، أوقف (صالح) سيارته على جانب الطريق، وانطلق يعدو منها نحو السيارة الكبيرة (الميكروباص)، وانحنى يفحص ذلك الشخص الملقى إلى جوارها، وهو يهتف : - أأنت بخير ؟ فتح الرجل عينيه، وتطلَّع إلى (صالح) لحظة، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة، وهو يقول : - بالطبع أنا بخير. ارتفع حاجبا (صالح) فى دهشة، ثم انطلق فى عقله جرس إنذار مباغت، مع ذلك الظل البشرى، الذى امتدَّ إلى جواره، لشخص يتسلَّل خلفه، حاملاً شيئاً ما فى يده، فاستدار رائد الفضاء فى سرعة، ومال جانباً، متفادياً ضربة عنيفة من هراوة خشبية قوية، وأمسك معصم حاملها، وهو يهتف فى غضب : - إذن فهى خدعة. ثم هوت قبضته اليسرى على فكَّ حامل الهراوة بضربة كالقنبلة، تراجع لها الرجل مترين كاملين إلى الخلف، قبل أن يسقط فوق الرمال، وفى نفس اللحظة، وثب رجل آخر من فوق السيارة، على ظهر رائد الفضاء، وجذبه الرجل الراقد أرضاً من قدميه، هاتفاً : - إنها خدعة بالتأكيد، ولكنك وقعت فيها. أدار (صالح) يده خلف ظهره، وقبض على عنق ذلك الذى يتعلَّق به، ثم جذبه بكل قوته، وألقاه أرضاً، وهو يضرب الثانى بقدمه، قائلاً : - ليس بعد. هبَّ الساقط يهاجمه ثانية، ونهض الثانى يلتقط هراوته، فى حين ظهر رجل ثالث.. وكان على (صالح) أن يقاتل بكل قوته.. بل بضعفى قوته على الأقل.. ولقد فعل.. كان يلكم هذا، ويركل ذاك، ويلوى ذراع ثالث.. ولكن الكثرة تهزم الشجاعة كما يقولون.. ففجأة، هوت على مؤخرة عنقه ضربة عنيفة، غامت لها الدنيا أمام عينيه، وفقد معها الكثير من اتزانه، ولكنه قاوم، وحاول أن يضرب ثانية، إلا أنه تلقى ضربة أخرى، فى المكان نفسه، فهتف : - أيها الـ… وانعقد لسانه فى حلقه، مع ضربة ثالثة، أظلم معها كل شئ، و.. وسقط فاقد الوعى.. وفى عصبية، هتف أحد الرجال لاهثاً : - إنه يقاتل كالوحش.. لقد كاد يهزمنا جميعاً. أجابه زعيمه، وهو ينفض الرمال عن ثوبه : - من حسن الحظ أنه لم يفعل. ثم أشار إلى (صالح)، مستطرداً : - هيا.. دعونا ننتهى من هذا الأمر بسرعة، قبل أن تظهر سيارة أخرى. أسرع الرجال يحكمون وثاق (صالح)، ويكممون فمه فى قوة، فى حين راح زعيمهم يفرغ محتويات جيوبه فى اهتمام، حتى التقط بطاقته المغناطيسية الخاصة، فابتسم فى ارتياح، قائلاً : - عظيم.. هذا يجعل الأمور أكثر سهولة. لم يكد ينطقها، حتى انفتح الباب الخلفى للسيارة (الميكروباص)، وبرز منه رجل رياضى القوام، مسح وجهه بيده، وهو يقول : - هل حصلت على كل شئ ؟ التفت إليه الزعيم مبتسماً، وناوله البطاقة المغناطيسية، قائلاً : - نعم.. احتفظ بهذه.. ستساعدك على الدخول. التقط الرجل بطاقة (صالح)، ودسَّها فى جيبه، وهو يقول : - أتعشَّم أن يفلح هذا.. إنهم يدققون كثيراً فى وسائل الأمن. هزَّ الزعيم كتفيه، وقال : - البطاقة مع عدسات العينين المحفورتين بالليزر، ستجعلان كل شئ على ما يرام.. أما عن الصوت، فتظاهر بأنك مصاب باحتقان فى حلقك.. هذا سيفسر الفارق الذى لم يُخفه التدريب. قالها، وهو يتطلَّع إلى وجه الرجل، الذى أجريت له جراحة تجميلية دقيقة، بحيث صار نسخة طبق الأصل من ذلك الذى أفقدوه الوعى.. من (صالح).. رائد الفضاء العربى.. * * * "انتباه.. تبدأ الآن المرحلة الأخيرة من العد التنازلى، لإطلاق القمر (بدر - 1).. درجة الاستعداد القصوى.. مائتان.. مائة وتسعة وتسعون.. مائة وثمانية وتسعون..". تردَّد ذلك النداء فى القاعدة الفضائية العربية، وبدا من الواضح أن درجة النشاط قد تضاعفت فيها خمس مرات على الأقل، استعداداً لانطلاق مكوك الفضاء، الذى سيحمل القمر الدفاعى (بدر - 1) إلى مداره، وتضاعفت درجة التوتر أيضاً، فى مبنى المراقبة، حيث جلس قائد القوات الفضائية العربية ينقر بأطراف أصابعه على طرف مكتبه، فى عصبية واضحة، وهو يراقب شاشات الرصد، التى تنقل مراحل احتراق وقود الصاروخ، الذى يحمل المكوك والقمر، والتقط رئيس القاعدة الفضائية أنفاسه، وهو يقول فى لهجة متماسكة إلى حد ما، وإن لم ينجح فى إزالة كل ما علق بها من توتر: - عشر دقائق إضافية على الأكثر، وينطلق الصاروخ غمغم قائد القوات الفضائية : - بإذن الله. التفت إليه رئيس القاعدة، قائلاً : - لم أرك قط بمثل هذا التوتر.. إنه ليس أوَّل قمر صناعى نطلقه من هنا. أومأ القائد برأسه، قائلاً فى توتر : - هذا صحيح، ولكنه أوَّل قمر صناعى عسكرى، بمثل هذه القوة.. إنه ينقلنا إلى عصر جديد بالفعل يا رجل، عصر تسبح فيه قوتنا العسكرية فى الفضاء، وتدور حول الأرض، وتكفل لنا حماية دائمة بإذن الله، وتمنع كل من تسول له نفسه من أن يعتدى على حدودنا وأراضينا. كان رئيس القاعدة يعلم كل هذا، ويدرك خطورة هذه العملية بالذات، وفشلت محاولته فى التماسك هذه المرة، وهو يغمغم : - نعم.. أعلم هذا.. أعلمه جيداً. ثم ملأ صدره بنفس عميق من الهواء، قبل أن يستطرد : - ما رأيك فى قدح من الشاى؟ هزَّ القائد رأسه نفياً، وهو يقول : - ليس الآن.. الشاى يزيد من توتر أعصابى دائماً. وافقه رئيس القاعدة بإيماءة صامتة، وعاد يراقب الشاشات، والعد التنازلى يتواصل فى رتابة.. "مائة وستة.. مائة وخمسة.. مائة وأربعة...".. تعلَّقت عيون الجميع بالشاشات الراصدة، وشاشات الكمبيوتر، والأرقام التى تتراص بسرعة، وسُحُب الدخان الكثيفة، التى أحاطت بقاعدة الصاروخ، وراحت تتزايد فى بطء، مع تواتر العد التنازلى، الذى بدا وكأنه يستغرق دهراً كاملاً، قبل أن يصل إلى مراحله الأخيرة، وينطلق الصوت الآلى مجلجلاً: - سبعة.. ستة.. خمسة.. أربعة.. ثلاثة.. اثنان.. واحد.. إشعال.. ومع آخر حروف الكلمة الأخيرة، انطلقت نيران الوقود القوية من قاعدة الصاروخ، الذى بدأ يرتفع عن الأرض، والعيون كلها تراقبه فى توتر شديد، والشفاة تتمتم ببعض الآيات والأدعية القرآنية، ثم انطلق الصاروخ فى السماء، حاملاً مكوك الفضاء، والقمر الصناعى العسكرى الأوَّل (بدر - 1).. وطوال رحلته عبر الغلاف الجوى الأرضى(*)، راحت الأعين تتابعه فى اهتمام شغوف متوتر، حتى اختفى عن الأبصار، فانتقل النظر بسرعة إلى شاشات الرصد التليسكوبية، تتابع مراحل الإطلاق المختلفة، حتى تجاوز الصاروخ، أو ما تبقى منه نطاق الجاذبية الأرضية، وانفصل عنه المكوك، حاملاً القمر الصناعى، فتنفَّس القائد الصعداء، وارتسمت على شفتيه ابتسامة ارتياح، وهو يقول : - حمداً لله. ثم التفت إلى رئيس القاعدة، مستطرداً : - الآن يمكننى أن أشاركك قدحاً من الشاى. ابتسم رئيس القاعدة، وهو يشير إلى مساعده، الذى أسرع يعد قدحى الشاى، فى حين جلس هو أمام القائد، وقال: - كل ما تبقَّى مجرَّد خطوات، فطاقم المكوك مدرَّب جيداً، وسيتجهون مباشرة إلى البقعة المحدودة لمدار القمر، وهناك ينفصلون عنه، بعد مراجعة كل أجهزته، وصلاحية أسلحته، ويتجهون إلى محطتنا الفضائية (م - 9)، حيث يتزودون بالوقود، ويتابعون مسيرة القمر لبعض الوقت، وبعدها يعودون إلى هنا، ونفوز بالقمر إلى الأبد. تنهد القائد فى ارتياح، وهو يقول : - حمداً لله.. حمداً لله. وتشاغل كل منهما بعدها فى مراقبة الشاشات التليسكوبية، ومتابعة رحلة المكوك الفضائى، وأحضر المساعد قدحى الشاى، فراحا يرتشفان السائل الدافئ فى استمتاع واسترخاء، و… "سيِّدى.. وصلتنا رسالة من المكوك الفضائى".. اخترقت العبارة أذنى القائد، فاعتدل فى دهشة، وانعقد حاجباه فى شدة، فى حين التقط رئيس القاعدة الرسالة، وهو يقول فى توتر : - رسالة؟!.. عجباً!! ولماذا لم يتم بثها على نحو طبيعى؟!.. ثم ما الذى يدفع طاقم المكوك إلى إرسال رسالة سريعة على هذا النحو، على الرغم من…. بتر عبارته بغتة، وهو يُحدِّق فى الرسالة ذاهلاً، وسقط قدح الشاى من يده، وتحطَّم على الأرض، وتناثرت محتوياته فى عنف، فوثب إليه القائد، هاتفاً : - ماذا حدث ؟ ناوله رئيس القاعدة الرسالة، وهو يردِّد : - مستحيل !.. مستحيل ! ولم يكد القائد يُلقى نظرة على الرسالة بدوره، حتى خُيِّل إليه أن قبضة باردة قوية قد اعتصرت قلبه، وألقته وسط جبل من الثلج، فقد كان مضمون الرسالة مذهلاً، و… ورهيباً.
* * *
| |
|
| |
مدير المنتدي المدير العام
أوسمة : عدد المساهمات : 734 نقاط التقييم : 12165 تاريخ التسجيل : 13/05/2009 العمر : 38 الموقع : Sudan العمل/الترفيه : د.صيدلي
| موضوع: رد: لصوص القــــمر .. د.نبيل فاروق الخميس فبراير 16, 2012 9:24 pm | |
| الفصل الثانى : قرصنة فضائية : لم يكد مكوك الفضاء يتجاوز الغلاف الجوى، وينفصل مع القمر الصناعى عن الصاروخ، حتى بدا الارتياح على وجوه طاقمه، المكوَّن من أربعة أفراد، وقال قائدهم : - انقل القيادة إلى الموِّجه الآلى يا (صالح)، وسيتولَّى الكمبيوتر العمل، من الآن فصاعداً. دفع أحد رواد الفضاء ذراعاً صغيرة، وضغط زراً أحمر، فتألقت على شاشة كمبيوتر القيادة عبارة واضحة "التوجيه الآلى"، فابتسم القائد فى استرخاء، ورفع ذراعيه، وأسند مؤخرة رأسه على كفيه المتشابكين، وهو يقول: - يمكننا أن نعتبر أننا نجحنا يا رفاق.. الخطر كله كان يكمن فى مرحلة اختراق الغلاف الجوى، أما عملية وضع القمر فى مساره، فسيتولَّى الكمبيوتر أمرها الآن.. كل شئ سار على ما يرام. ارتفع صوت خشن مبحوح، يقول : - بالتأكيد.. ولكن ليس بالنسبة لكم. التفت القائد إلى صاحب الصوت، وابتسم قائلاً : - إصابتك بالبرد أبدلت صوتك كثيراً يا (صالح).. حتى لهجتك تبدو لى عجيبة، وعبارتك نفسها غير مفهومة.. ما الذى تعنيه بها بالضبط. أجابه صاحب الصوت الخشن المبحوح : - أعنى أن كل شئ سار على ما يرام بالفعل، ولكن بالنسبة لنا، وليس بالنسبة لكم. قالها، وهو يستلّ من ثوبه مسدساً ليزرياً(*)، جعل أحد رواد الفضاء الثلاثة يهتف : - (صالح).. هل جُننت يا رجل؟.. ماذا تفعل بالضبط؟ أدار الرجل فوهة المسدس الليزرى نحوه، وهو يقول بصوت صارم، اختفت منه الخشونة والبحة، وحمل فى طياته لكنة أجنبية خفيفة: - تصحيح بسيط يا هذا.. اسمى ليس (صالح). قالها وأطلق الأشعة القاتلة فى هدوء : واخترقت الأشعة جسد رائد الفضاء، وانتزعته من مكانه، مع الجاذبية الضعيفة داخل المكوك، ودفعته حتى ارتطم بالجدار المقابل، وقبل أن يسقط جثة هامدة، انتزع زميله ذراعاً معدنية، صارخاً : - خيانة.. (صالح) خائن. استدار إليه الجاسوس بسرعة مدهشة، مستغلاً عامل المفاجأة، وهو يكرِّر فى صرامة مخيفة : - قلت لك : اسمى ليس (صالح). وأطلق عليه الأشعة القاتلة بدوره.. وانتفض القائد فى عنف، وهو يهبّ من مقعده، وقال فى غضب : - من أنت بالضبط؟.. وكيف استطعت الوصول إلى هنا؟.. المفترض ألا يحمل أحدنا سلاحاً، فى مثل هذه الرحلات. ابتسم الجاسوس فى سخرية، وهو يقول : - أسئلتك كثيرة أيها العربى.. أنا لست عربياً ثرثاراً مثلك، ويمكنك أن تدعونى (ميل)؛ فهذا هو الاسم الذى كان يخاطبنى به أصدقائى، قبل أن أجرى جراحة التجميل الدقيقة، التى جعلتنى أشبه زميلكم. قال القائد فى دهشة : - ولكن كيف أمكنك اختراق نطاق الأمن؟!.. إنهم يفحصون بصمات قزحية العين، وهى لا تتشابه مع بصمات أية قزحية أخرى(*)(*). - المشكلة فى كل نظم الأمن أنها من صنع البشر، ومن الممكن أن يخترقها بشر آخر. وضغط جفنه بسبَّابته وإبهامه، والتقط عدسة لاصقة صغيرة فى راحته، مستطرداً : - لقد حصلنا بوسيلة معقَّدة على بصمة قزحية عين (صالح) هذا، ثم استخدمنا وسيلة تقنية مدهشة، لصنع عدسة مشابهة تماماً، حفرنا البصمة عليها بدقة مذهلة، وعندما تم الفحص، خدعت تلك العدسة نظام المراقبة، وسمحت لى بالدخول، بافتراض أننى (صالح) نفسه، خاصة وقد كنت أحمل بطاقته المغناطيسية، ذات الشفرة المعقَّدة، والتى يستحيل فكّ شفرتها أو تزويرها تقريباً. عضَّ قائد المكوك شفتيه فى غيظ غاضب، وهو يسأل : - ما الذى تسعون إليه بالضبط، أنت ومن خلفك؟!.. أجابه الجاسوس (ميل) فى استهتار : - ألم أقل لك: إنك تُلقى الكثير من الأسئلة أيها العربى؟!.. لا أعتقد أنه يهمك كثيراً أن تعرف تفاصيل ما نسعى إليه، ولكن يكفى أن تعلم أنه بعد أن تنجح خطتنا، لن تقوم لكم قائمة مرة أخرى قط. انفضَّ عليه قائد المكوك فجأة، وهو يهتف : - وهل تعتقد أننى سأسمح لك بهذا؟ أطلق (ميل) أشعة مسدسه الليزرى، ورآها تخترق ذراع قائد المكوك، إلا أن هذا لم يوقفه، وهو يواصل انقضاضته، ويمسك معصم الجاسوس فى قوة، مستطرداً : - إننى مستعد للتضحية بحياتى، فى سبيل منعك من تحقيق مثل هذا الغرض. راحا يتقاتلان فى عنف شرس، وسط جاذبية شديدة الانخفاض، وحولهما آلات المكوك الفضائى، التى تشير إلى اقترابه من المدار المنشود، ولكن الجاسوس نجح فى صعوبة من إلصاق فوهة مسدسه بصدر قائد المكوك، وهو يصرخ: - ضح بحياتك إذن، ولكنك لن تمنعنى. وضغط زناد مسدسه.. واحتقن وجه قائد المكوك، وهو يندفع إلى الخلف فى عنف، وتفجَّرت الدماء الطاهرة من صدره، وهو يلوِّح بيده، قائلاً : - لن.. لن تنجح أبداً. ثم هوى جثة هامدة، فاعتدل الجاسوس، وهو يلهث فى شدة، هاتفاً : - ياللصعوبة!.. لولا المسدس لهزمنى حتماً.. هؤلاء العرب يقاتلون كالوحوش. ونهض إلى مقعد القيادة، وهو يستطرد بابتسامة لاهثة : - ولكننى نجحت فى النهاية، وحان وقت إبلاغ الرفاق، وإرسال تلك الرسالة المتفق عليها، إلى القاعدة الفضائية العربية. وكانت رسالته مختصرة للغاية.. "(بدر - 1) أصبح فى قبضتنا.. انتظروا تعليماتنا.. القلب الأسود..". وكانت هذه هى الرسالة التى وصلت إلى قائد القوات الفضائية العربية.. الرسالة الرهيبة.. * * * برقت عينا (بلاك هارت).. الزعيم الأوَّل لمنظمة القلب الأسود الإجرامية العالمية، وهو يقرأ رسالة (ميل)، التى بثَّها من مكوك الفضاء، عبر شفرة خاصة، ثم قهقه ضاحكاً فى ظفر ولوَّح بيده، هاتفاً : - فعلها (ميل).. نجح فى الاستيلاء على القمر. وراح يضحك مرات ومرات فى سعادة، فسأله أحد رجاله: - هل تعتقد أنهم لم يتلقَّوا الرسالة مثلنا؟!.. أعنى ألا يمكنهم تحديد موقعنا؟ هزَّ (بلاك) رأسه نفياً، وهو يقول : - دعهم يفعلون.. إننا نسبح بيختنا فى المياه الدولية(*)، ثم أننا نسيطر على الموقف تماماً الآن، ولا أحد سيجرؤ على تحدينا علانية. سأله الرجل : - وما خطوتنا التالية أيها الزعيم؟!.. هزَّ (بلاك) كتفيه، وقال : - هذا يتوقَّف على ردود أفعالهم، فإما أن يستسلموا ويخضعوا تماماً، أو … ثم تراجع فى مقعده، وارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة، وهو يستطرد: - أو نختبر معهم فاعلية وقوة مدفعى الليزر. قالها وانطلق يقهقه مرة أخرى فى ظفر.. وفى وحشية.. * * * "إنها كارثة أيها السادة..". ضرب قائد القوات الفضائية العربية سطح مائدة الاجتماعية براحته، وهو ينطق هذه العبارة، وصوته وملامحه يحملان توتراً غير محدود، وعيناه تدوران فى وجوه قادة الأسلحة المختلفة، وضباط أركان الحرب، قبل أن يستطرد: - كارثة رهيبة، على أى مقياس عسكرى.. أنتم جميعاً تعرفون منظمة (القلب الأسود)، وتاريخها الإجرامى والجاسوسى البشع، واستيلاء مثل هذه المنظمة على قمر صناعى عسكرى متطوِّر، مثل (بدر - 1)، يعنى أنه أصبح بمقدورها فرض سيطرتها على دول بأكملها، وربما على العالم أجمع، لو أن لديها خبراء لإدارته وتوجيهه، واستغلال الطاقة الكبرى لأسلحته الفائقة، وعلى رأسها مدفعى الليزر. سأل أحد القادة فى اهتمام : - وهل لديها مثل هؤلاء الخبراء ؟ تنهَّد القائد فى أسى ساخط، قبل أن يجيب : المشكلة أن تحرياتنا كلها تشير إلى أن لديها خبراء لتشغيل (بدر - 1)، فهى منظمة كبرى، نجحت بأموالها فى اجتذاب عدد من العلماء، الذين تجاهلوا الرسالة الحقيقية للعلم ولم يعد يهمهم سوى الحصول على الأموال واكتنازها بأى ثمن. سأل قائد آخر : - ولكن المفترض أن القمر ما زال تحت سيطرتنا، وأجهزته كلها ترتبط بأجهزة التحكُّم فى القاعدة. هزَّ القائد رأسه نفياً فى أسف، وهو يقول : - للأسف أيها السادة، لقد فصل الجاسوس أجهزة التحكُّم من القمر، قبل إبلاغنا رسالة الاستيلاء مباشرة، ولم نعد ندرى ماذا يحدث هناك الآن.. ربما كانوا يسعون لنقل التحكُّم إلى ذبذبة وشفرة مغايرتين، وهكذا تصبح لهم السيطرة الكاملة عليه، وعندئذ يصبح الأمر مأساة رهيبة. هتف أحد ضباط أركان الحرب فى توتر(*) : - وكم يحتاج منهم الأمر، لتغيير الذبذبة والشفرة، وتحقيق السيطرة الكاملة على القمر العسكرى؟ أجابه القائد : - الخبراء قدَّروا هذا بعشر ساعات فى المتوسِّط. تنهَّد ضابط أركان الحرب، قائلاً : - هذا يعنى أنه ليس أمامنا سوى هذه الفترة، لاستعادة سيطرتنا على الموقف، وإلا خسرنا كل شئ. أجابه القائد فى توتر عنيف : - هذا صحيح، ولكن الخسارة لن تقتصر علينا، بل ستمتد لتشمل العالم كله. ويبدأ عصر مظلم من عصور الشر. سأل أحد القادة فى توتر شديد : - وما الذى يمكن فعله فى عشر ساعات فقط؟ اندفع ضابط آخر من ضباط أركان الحرب، يقول : - وماذا لو استعَّنا بالمحطة الفضائية (م - 9)؟.. يمكنهم أن يشنّوا هجوماً مكثَّفاً على المكوك، حتى لو أدَّى الأمر إلى نسف القمر نفسه، فخسارتنا له أفضل من فوزهم به. أومأ القائد برأسه، قائلاً : - لقد درس خبراؤنا هذا الاحتمال بالفعل، ولكن الدقة التى تم صنع (بدر - 1) بها، تجعل من المستحيل مهاجمته على هذا النحو الواضح، فأجهزة الرصد به ستلتقط أى جسم يتجه إليه، وستتعامل معه أسلحته مباشرة، وتسحقه سحقاً، خاصة بعد أن تم فقد شفرة التعامل، وهذا ينطبق أيضاً على أية محاولة لهجوم أرضى، و… قاطعه أزيز خافت، جعل الجميع يلتفتون إلى شاشة الاتصالات الخاصة، التى ظهر عليها وجه ضابط الاتصال، وهو يقول فى توتر: - معذرة أيها السادة، ولكننا نتلقَّى اتصالاً خارجياً، وصاحبه يصرّ على التحدُّث إليكم مباشرة. تبادل القادة وضباط أركان الحرب نظرة متوترة، قبل أن يقول القائد الكبير : - فليكن.. دعنا نتحدَّث إليه. اختفت صورة الضابط من الشاشة، وظهرت بدلاً منها صورة لشخص يجلس فى دائرة ظل، بحيث تختفى ملامحه تقريباً، وهو يداعب رأس نمر ضخم، ويقول بلهجة أجنبية، تحمل رنة ظافرة : - مساء الخير أيها السادة.. إنها أوَّل مرة نلتقى فيها، لذا دعونى أقدم نفسى.. أنا (بلاك هارت).. زعيم منظمة (القلب الأسود)، التى استولت على قمركم العسكرى. قال القائد فى توتر : - ما الذى تسعى إليه يا (بلاك)؟.. الابتزاز؟! انطلق (بلاك هارت) يقهقه ضاحكاً، قبل أن يقول : - الابتزاز؟!.. يا له من تفكير!.. هل تصورَّتم أننا مجرَّد عصابة تافهة، تسعى خلف النقود؟ قال القائد فى صراحة : - لا فائدة من اللفّ والدوران يا (بلاك).. العالم أجمع يعلم أن الهدف الرئيسى لمنظمتكم الإجرامية هو المال، حتى وإن اختلفت وسائلكم فى السعى إليه.. إنكم تتجسسون على الجميع لحساب الجميع، وترتكبون أكثر الأعمال خسة ونذالة وقذارة، لتكوين ثروات مغموسة بالدم والعار، فلا تحاول التظاهر الآن بأنكم أصحاب مبادئ وأفكار سامية. أطلق (بلاك) ضحكة أخرى مجلجلة، وداعب رأس النمر فى جذل، قبل أن يقول : - اطمئن أيها القائد.. لن أحاول حتى التظاهر بأننا من أصحاب المبادئ والأفكار، وإن كنا نحمل شيئاً من السامية كما تعلمون.. الواقع أننا، فى هذه المرة، لا نسعى لمال يمكن ابتزازه من دولة أو حتى عدة دول.. إننى نسعى فى الواقع لما هو أكبر بكثير.. وكوسيلة لتوضيح وجهة نظرنا قرَّرنا أن نمحكم مثالاً بسيطاً لما ننوى التعامل به معكم. والتقط جهاز اتصال فضائى خاص، مستطرداً : - (ميل).. هل تسمعنى فى وضوح ؟ نقلت شاشة الاتصال صوت (ميل)، وهو يجيب من داخل المكوك الفضائى : وبكل وضوح أيها الزعيم. صمت (بلاك) لحظة، ثم قال فى حزم : - اضرب الموقع رقم واحد. ومع قوله، نقلت الشاشة صورة حاملة طائرات عربية(*)، فى قلب البحر الأبيض المتوسط، فهبَّ قائد القوات البحرية من مقعده، صائحاً : - ربَّاه!.. إنها حاملة طائراتنا (ليث).. ستكون كارثة لو أنه.. وقبل أن يتم عبارته، نقلت الشاشة مشهد حزمة الليزر الهائلة، التى أطلقها أحد مدفعى (بدر - 1)، فهوت على حاملة الطائرات كصاعقة عملاقة، ونسفت محرِّكها، وهى تشطرها شطرين بلا رحمة.. وأمام الأعين المذعورة الذاهلة، راحت حاملة الطائرات العملاقة تغوص فى مياه البحر، وتغرق فى بطء، وبحَّارتها يحاولون النجاة عبثاً، وضحكات (بلاك هارت) المخيفة تتردد عبر أجهزة الاتصالات، وصوته الساخر الظافر يقول: - إنها مجرَّد عيِّنة أيها السادة.. عينة لما يمكن لقمركم أن يفعله بكم، لو لم تخضعوا لمطالبنا وشروطها كلها. هتف القائد الأعلى فى حدة : - أية مطالب، وأية أوامر أيها السفَّاح؟ أطلق (بلاك) ضحكة أخرى، وراحت الصورة تتلاشى من الشاشة تدريجياً، وهو يقول : - فيما بعد أيها السادة.. فيما بعد.. ستعرفون مطالبنا وشروطنا فيما بعد. واختفت صورته تماماً، وما زالت ضحكاته تتردَّد فى المكان، فى حين خيَّم صمت رهيب على الجميع، وهم يحدِّقون فى الشاشة الخالية، قبل أن يقطعه القائد فى مرارة: - ألم أقل لكم؟.. إنها كارثة.. كارثة بلا حدود. عاد الصمت يُغلِّف المكان لحظات، ثم اندفع رئيس المخابرات الفضائية، يقول: - سيدى القائد.. كم تبلغ دقة أجهزة الرصد، فى (بدر - 1). التفتت إليه العيون كلها، وسأله القائد : - لماذا تسأل يا رئيس المخابرات ؟ اعتدل رئيس المخابرات الفضائية فى مقعده، وهو يقول : - لأنه لو كانت أجهزة الرصد فى القمر العسكرى مجهَّزة لصد الهجمات القوية، فأعتقد أنها لن تستطيع رصد جسم صغير، يتحرَّك نحوها بدقة مدروسة، وبسرعة معقولة. قال القائد، والحيرة تمتدّ من عقله لتُغلَّف الحاضرين جميعاً : - إنها كذلك بالفعل.. ما الذى يدور فى ذهنك بالضبط؟ ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتى رئيس المخابرات الفضائية، وهو يجيب : - فى هذه الحالة، أعتقد أن لدى خطة مجنونة.. خطة قد تعيد إلينا (بدر - 1). وبدت عبارته أشبه بابتسامة.. ابتسامة غامضة.. غامضة للغاية.
* * *
| |
|
| |
مدير المنتدي المدير العام
أوسمة : عدد المساهمات : 734 نقاط التقييم : 12165 تاريخ التسجيل : 13/05/2009 العمر : 38 الموقع : Sudan العمل/الترفيه : د.صيدلي
| موضوع: رد: لصوص القــــمر .. د.نبيل فاروق الخميس فبراير 16, 2012 9:26 pm | |
| الفصل الثالث : رجل واحد : تحرَّكت سيَّارة كبيرة فى حذر، فى منطقة الإطلاق المهجورة، وتوقَّفت إلى جوار جدار نصف متهدِّم، وأضاءت مصباحيها مرتين متتاليتين، وانتظر ركَّابها الثلاثة، حتى رأوا مصباحاً يسطع وسط الأطلال، أربع مرات متعاقبة سريعة، فتنفس أحدهم الصعداء، وغمغم : - كل شئ يسير وفقاً للخطة. مطَّ أكثرهم بدانة شفتيه، وقال فى برود : - حتى هذه اللحظة. ثم غادر السيارة، ووقف يتطلَّع إلى البقعة التى سطع عندها المصباح، وهو يدسّ كفيه فى جيبى معطفه، حتى ظهر رجلان آخران، يحمل أحدهما حقيبة كبيرة، فى حين بدا الآخر أنيقاً للغاية، ومتعالياً إلى حد كبير، وهو يصافح البدين، ويسأله: - هل أحضرت كل شئ. أشار البدين إلى الرجلين المصاحبين له، ففتح أحدهما حقيبة السيارة، وناوله مدفعاً ليزرياً كبيراً، أمسكه البدين على نحو يشف عن خبرته، وهو يقول للأنيق: - هذا مدفع ليزرى من طراز (س - 609).. المفروض أن يقتصر استعماله على رجال الشرطة والأمن، ولكنك ستحصل على مائة قطعة منه بسعر لا ينافس.. وستأخذ معه ألف أنبوب، و… قاطعه فجأة صوت صارم، من فوق مبنى قريب : - انتهت الصفقة أيها السادة… إننى ألقى القبض عليكم جميعاً. تراجع الأنيق فى حركة حادة، وصرخ : - فخ.. إنه فخ. أما البدين وزميلاه، فقد تحرَّكوا بسرعة كبيرة، والتقطوا ثلاثة من مدافع الليزر، صوَّبوها إلى ذلك الشاب، الذى يقف فوق المبنى نصف المتهدم، وصرخ البدين : - اقتلوه.. اسحقوه سحقاً.. لا تسمحوا له بالإيقاع بنا. انطلقت أشعة الليزر نحو الشاب، الذى ظلّ واقفاً فى مكانه، وترك الأشعة تخترق جسده، وكأن أمرها لا يعنيه، فى نفس اللحظة التى انطلق فيها الأنيق يعدو مع رفيقه، فى محاولة للفرار، وهتف البدين مذهولاً: - ما هذا بالضبط؟!.. الأشعة تخترق جسده، دون أن تقتله. وهنا صاح أحد زميله : - إنها خدعة أيها الزعيم.. هذا ليس شخصاً حقيقياً. هتف البدين، وهو يطلق أشعة مدفعه مرة أخرى : - ما هو إذن ؟ أجابه الرجل، وهو يحدِّق فى الجسد، الذى عبرته الأشعة القاتلة دون توقف : - مجرَّد صورة أيها الزعيم.. صورة هولوجرافية(*). وفى نفس اللحظة، التى نطق فيها كلمته، برز الشاب الحقيقى أمام الأنيق وأحد زميليه، وهو يقول : - إلى أين؟.. هذه محطتكما الأخيرة. قالها، ووثبت قدمه تركل الأنيق فى وجهه، وتلقى به إلى الخلف فى عنف، فاستلّ رفيقه مسدسه، وهو يهتف: - خطأ.. إنها محطتك أنت الأخيرة. انحنى الشاب فى سرعة مدهشة، متفادياً شعاع الليزر الذى انطلق نحوه، ثم انزلق فى خفة، ودار حول نفسه فى مرونة، ليركل المسدس من يد الحارس الخاص للأنيق، الذى ضربه بالحقيبة التى يحملها، صارخاً : لا.. ابتعد عنى. أصابت الحقيبة الشاب فى صدره، ولكنها لم تفقده توازنه، فضربها بكل ما يملك من قوة بيسراه، وأطاح بها بعيداً، فارتطمت بجدار قديم، وانكسر رتاجها، فتناثرت منها أوراق النقد، وتطايرت فى المكان، فى حين انطلقت قبضة الشاب اليمنى كالقنبلة، لترتطم بفك الحارس الخاص، وقفزت قدمه فى اللحظة نفسها تقريباً، لتغوص فى معدته، ولم يكد الحارس ينحنى متأوِّهاً، من أثر الضربة، حتى استقبلته ركبة الشاب فى أنفه، وألقت به فاقد الوعى، إلى جوار رئيسه.. ومن بعيد، وثب البدين وزميلاه داخل سيارتهم، وهو يصرخ : - أسرعا.. سنبتعد عن هنا بأقصى سرعة. احتلّ أحد الرجلين مقعد القيادة، وأدار المحرِّك بسرعة، وتراجع بالسيارة إلى الخلف، ليفسح لنفسه مجالاً للانطلاق، ولكن الشاب أخرج من جيبه قرصاً صغيراً، يحوى عدة أزرار، وضغط أحد أزراره فى سرعة، ثم ألقاه نحو السيارة.. وفى سرعة ونعومة، انطلق القرص يطارد السيارة، حتى لحق بها بسرعته المدهشة، واندفع بين إطاراتها، حتى بلغ محرِّكها، فالتصق به فى قوة، وتألَّق بضوء أخضر، اضطرب معه المحرِّك، وتخبَّط، وتوقَّفت السيارة فى عنف، وصاح قائدها فى توتر بالغ: - شئ ما أفسد المحرِّك أيها الزعيم. دفع البدين جسده خارج السيارة، وهو يقبض على المدفع الليزرى فى قوة، وتلفَّت حوله فى عصبية، هاتفاً: - ذلك الشاب أصابه بالتأكيد.. أنا أعرف رجال الأمن وحيلهم السخيفة. غادر زميلاه السيارة بدوريهما، وتوترت سبَّابتهما على زنادى مدفيهما، وقال أحدهما فى حدة : - أين هو إذن؟.. لست المح أى أثر له فى الجوار! لم يكد يتم عبارته، حتى ارتفع صوت، من خلف جدار قريب، يقول : - استسلموا.. لقد انتهى أمركم. استدار الثلاثة فى سرعة إلى مصدر الصوت، وانطلقت أشعة مدافعهم الليزرية الثلاثة تسحق الجدار فى آن واحد.. ومن خلفهم، برز الشاب، وقفز فى الهواء فى رشاقة، ودار جسده دورة رأسية كاملة، قبل أن يهبط وراءهم مباشرة، ويقول: - معذرة.. أنتم تطلقون النار فى الاتجاه الخطأ. انتفضت قلوب ثلاثتهم فى هلع، واستداروا يواجهونه معاً، ولكن قبضته سحقت فك أحدهم، وهشَّمت أنف الآخر، والبدين يصرخ: - لا.. لا أحد يمكنه الإيقاع بى هكذا. غاصت قبضة الشاب فى كرشه، وهو يقول : - إذن فأنا أحمل الاسم.. وحطَّم اثنتين من أسنانه الأمامية بلكمة كالصاعقة، مستطرداً : - اسمى (لا أحد). سقط البدين إلى جوار زميليه، وانحنى الشاب يحيط معاصمهم بأغلاله الإلكترونية، وأحد الرجلين يقول: - ولكن.. ولكننا سمعنا صوتك خلف الجدار. ابتسم الشاب ساخراً، وهو يقول : - أجهزة النقل الصوتية تباع على الأرصفة، فى زمننا هذا. ثم ضغط زرّ جهاز الاتصال الصوتى فى ساعته، وهو يقول : - هنا (نسر - 7).. من الفرقة الخاصة.. تم إحباط صفقة السلاح المشبوهة، وإلقاء القبض على كل أطرافها، أطلب سيارة سجن لحملهم جميعاً. أتاه صوت زميله (طارق)، وهو يقول : - أين أنت يا (خالد)؟.. نحن نبحث عنك منذ نصف الساعة. أجابه (خالد) فى هدوء : - كنت أتابع الصفقة، وخشيت الاتصال، لأنهم يحملون أجهزة تصنّت جيدة.. ماذا هناك بالضبط؟ قال (طارق) فى لهفة واضحة : - الرئيس طلب مقابلتك على الفور.. من الواضح أن الأمر عاجل يا (خالد).. عاجل وخطير.. خطير جداً.. * * * ".. اسمك (خالد سلمان)..".. نطقها رئيس المخابرات الفضائية، وهو يتطلَّع إلى (خالد)، الذى وقف أمامه فى مكتبه، وقفة عسكرية صارمة، ولاذ بالصمت التام، والرئيس يتابع : - عمرك ستة وعشرون عاماً.. برتبة ملازم أوَّل.. التحقت بالمخابرات الفضائية منذ عام واحد، بعد أن أبديت شجاعة واضحة، وتفوقاً ملموساً، خلال فترة عملك فى القوات الخاصة الانتحارية، ولقد انتخبك الكمبيوتر من بين عشرة آلاف رجل أمن، بناءً على مهاراتك المتميزة، وقدراتك الفذة على القتال والمناورة، وملفّك يقول إنك تجيد مهارات شتى، ولكنك لا تميل إلى استخدام الأسلحة العنيفة. تنحنح (خالد)، وقال : - لست أحبذ القتل يا سيِّدى.. إلا للضرورة القصوى. أومأ رئيس المخابرات الفضائية برأسه، قائلاً : - نعم.. ملفك يشير إلى هذا، ولكن دعنا لا نتوقَّف كثيراً أمام التفاصيل، فلقد أضعنا وقتاً ثميناً فى البحث عنك، والمفروض أن نحسن استخدام الوقت المتبقى بأفضل ما يمكننا. لم يُعلِّق (خالد) بحرف واحد، وإن عصفت عشرات الأسئلة برأسه، بحثاً عن السبب، الذى استدعاه من أجله رئيس المخابرات الفضائية شخصياً، ولم يترك له الرئيس فرصة للاستنتاج والاستنباط، وهو يسأله : - لقد تلقّيت تدريبات فضائية.. أليس كذلك؟ أومأ خالد يرأسه إيجاباً.. متمتماً : - بلى يا سيدى.. لقد حصلت على درجة الامتياز فى ارتياد الفضاء، والقتال فى مجالات انعدام الوزن، والجاذبية، المنخفضة، و… قاطعه الرئيس فى حزم : - عظيم.. استعد إذن، فستحملنا واحدة من سياراتنا إلى القاعدة الفضائية العربية، حيث يستعد مكوك فضائى خاص للإقلاع فور وصولك. ارتفع حاجبا (خالد) فى دهشة هذه المرة، وهو يقول : - الإقلاع فوراً؟!.. سيِّدى.. ألا تعتقد أنه من المناسب أن أعرف نوع المهمة المسندة إلى بالضبط. أجابه رئيس المخابرات الفضائية، وهو يسير معه إلى حيث تنتظرهما السيارة الخاصة : - ستعرف يا (نسر - 7).. ستعرف كل شئ، ونحن فى الطريق إلى هناك.. كل شئ. وتضاعف فضول (خالد) وقلقة.. تضاعف ألف مرة.. * * * تردَّد العد التنازلى للمرة الثانية، فى القاعدة الفضائية العربية، والصاروخ الذى يحمل مكوك فضاء الطوارئ يستعد للإقلاع، وألقى قائد القوات نظرة على ساعته، فى توتر شديد، وهو يسأل رئيس المخابرات : - أأنت واثق من أنه قد قبل المهمة طواعية؟ أشار رئيس المخابرات بسبَّابته، قائلاً : - ودون أدنى تردَّد يا سيادة القائد.. لم أكد أخبره أن شرفنا وأمننا العربى فى خطر، حتى أعلن قبوله للمهمة، ولهفته على الانطلاق بأسرع ما يمكن. هزَّ قائد القوات رأسه، قبل أن يقول : - أمامنا ثمانى ساعات فحسب.. ستستغرق رحلة المكوك خمساً منها، قبل أن يصل إلى المحطة الفضائية (م - 9)، وبعدها يكون أمام (نسر - 7) ثلاث ساعات فحسب، لإتمام المهمة، وإلا فقدنا السيطرة تماماً على القمر. عقد أحد أركان الحرب حاجبيه، وهو يقول : - معذرة يا سيِّدى، ولكن هناك أمراً يُحيرنى.. لو أن هؤلاء المجرمين يحتاجون إلى عشر ساعات، حتى يحكموا سيطرتهم على قمرنا (بدر - 1) فكيف أمكنهم توجيهه قبل هذا، ونسف حاملة الطائرات (ليث)؟! أجابه القائد : - إنهم لم يستخدموه عبر شفرة توجيه، وإنما بالتحكم المباشر، من خلال جاسوسهم هناك.. وهذا الجاسوس لن يمكنه البقاء إلى الأبد، داخل مكوك الفضاء المتصل بالقمر، فمن المحتم أن ينفصل المكوك عن القمر، فور اكتمال عملية إبدال الشفرة، وإلا لن يتمكَّن هذا الجاسوس من العودة إلى الأرض أبداً. قال رئيس القاعدة فى قلق : - لست أدرى لماذا تبدو لى هذه العملية جنونية أكثر من اللازم؟!.. هل تعتقدون أنه من الممكن أن ينجح رجل واحد، فيما تفشل فيه حملة هجومية منظَّمة.. أجابه رئيس المخابرات : - إنها فرصتنا الوحيدة، فصغر حجم مقاتل واحد نسبياً، يمنحه فرصة أكبر فى الوصول إلى القمر، حيث لن تنجح أجهزة الرصد فى رصده؛ لأنها مصممة للتعامل مع الهجوم المباشر. قال رئيس القاعدة : - ولكننا لن نستطيع الاتصال به أبداً، حتى لا نشير إلى وجوده، أو نكشف أمر مهمته، وحتى لا تستفز، اتصالاتنا هؤلاء المجرمين، فليجأون إلى إجراء انتقامى، قد يعرِّض مئات الأبرياء للقتل والتدمير.. باختصار.. سيكون الشاب وحيداً تماماً فى مهمته، فهل تعتقد أنه أهلّ لها. تنهَّد رئيس المخابرات، وقال : - الكمبيوتر يؤكِّد أنه قادر على القيام بالمهمة. قال القائد فى عصبية : - وهل سنمنح ثقتنا كلها لجهاز كمبيوتر ؟ صمت رئيس المخابرات لحظة، ثم أجاب فى حزم : - إننا نمنحها لواحد من نسورنا يا سيادة القائد.. وعاد إلى صمته لحظة أخرى، قبل أن يضيف : - ثم إنه ليس أمامنا خيار آخر. مطَّ القائد شفتيه، وكرَّر فى أسف : - نعم.. ليس أمامنا خيار آخر. ومع آخر حروف كلماته، انطلق مكوك الطوارئ إلى الفضاء، وراح الجميع يتابعونه بأبصارهم، حتى اختفى وسط الظلام، فتنهَّد القائد، وغمغم : - فلندع الله (سبحانه وتعالى) أن يوفِّقه فى مهمته، فهو أملنا الوحيد فى النجاة. كانوا يتابعون الانطلاق على شاشة الرصد التليسكوبية، عندما اندفع ضابط الاتصال إلى القاعة، وهتف : - سيِّدى.. رسالة عاجلة للغاية. التقط رئيس القاعدة الرسالة، وقرأها فى سرعة، ثم رفع عينيه الهلعتين إلى الجميع، قائلاً فى توتر : - يبدو أن الرياح لا تسير أبداً كما تشتهى السفن أيها السادة.. لقد انطلق مكوك فضائى مجهول من قاعدة سرية فى وسط (أوروبا)، ويتجَّه مباشرة نحو محطتنا الفضائية (م - 9)، وأخشى أن أثير المزيد من قلقكم، ولكن المؤشرات تقول إن هذا المكوك يخص تلك المنظمة التى تسيطر على (بدر - 1).. منظمة (القلب الأسود). وكانت المفاجأة عنيفة هذه المرة.. عنيفة وقاسية. للغاية.
* * *
| |
|
| |
مدير المنتدي المدير العام
أوسمة : عدد المساهمات : 734 نقاط التقييم : 12165 تاريخ التسجيل : 13/05/2009 العمر : 38 الموقع : Sudan العمل/الترفيه : د.صيدلي
| موضوع: رد: لصوص القــــمر .. د.نبيل فاروق الخميس فبراير 16, 2012 9:28 pm | |
| الفصل الرابع : السباق : استرخى (خالد) فى مقعده، داخل مكوك الطوارئ، الذى ينطلق به نحو المحطة الفضائية العربية (م - 9) وراح يراجع الخطة فى هدوء للمرة العاشرة.. كان المفروض أن يصل به المكوك إلى المحطة، ومن هناك يحصل على جهاز دفع فضائى نفاث، من تلك الأجهزة البسيطة، التى يستخدمونها للسباحة فى الفضاء، عند القيام بعمليات رصد أو إصلاح خارجية، ثم يستعين بمركبة فضائية صغيرة، تنطلق به نحو القمر الصناعى، ثم تتركه على مسافة كبيرة منه، وعليه بعد هذا أن يدور حول القمر، والمكوك المتصل به، ويتجه نحوهما من الخلف، بحيث لا تنتبه إليه أجهزة الرصد.. وعندما يصبح داخل القمر، يبدأ الجزء الثانى من الخطة، حيث يوقف عمل أسلحة القمر الصناعى كلها، ثم يهاجم مكوك الفضاء، ويحاول إلقاء القبض على الجاسوس.. ولو أنه عجز عن هذا، فليس أمامه سوى الانتقال إلى الجزء الشاق من الخطة.. ذلك الجزء الخاص بنسف القمر والمكوك معاً.. إنه ما زال يذكر كيف تهدَّج صوت رئيس المخابرات الفضائية، وهو يناقش معه ذلك الجزء من الخطة.. لقد شرح له فى وضوح أن عملية نسف القمر الصناعى والمكوك غير مأمونة، وأنها قد تؤدى إلى عواقب وخيمة.. بالنسبة له وحده.. أو أنها عاقبة واحدة، لو شئنا الدقة.. ففى هذه الحالة، ونظراً لقصر الوقت، لن يكون أمامه سوى أن ينسف القمر والمكوك، و… وأن ينسف نفسه معهما.. قالها رئيس المخابرات الفضائية فى صراحة ووضوح، وهو يناقش معه الجانب الفنى للمهمة، ثم سأله : - والآن.. هل تقبل المهمة ؟ ولحظتها لم يتردَّد (خالد) قط.. لقد أجابه فى سرعة وحزم : - نعم.. أقبل المهمة يا سيدى. عندئذ صمت رئيس المخابرات لحظة، قبل أن يسأله فى حسم : مهما كان الثمن. شدَّ (خالد) قامته، وهو يجيب : - نعم يا سيِّدى.. ما دام الأمر يتعلق بشرف وأمن الوطن، فأنا أقبل المهمة، وأعد بأن أبذل قصارى جهدى فيها، وأن أقاتل للفوز، مهما كان الثمن. قالها، فران صمت تام على المكان، وتطلَّع رئيس المخابرات إلى عينيه مباشرة، ثم ربَّت على كتفه، وقال : - وفَّقك الله (سبحانه وتعالى) يا ولدى. استرجع ذهنُه الموقف كله، ثم تمتم : - إننى أحتاج إليه بالفعل.. أحتاج إلى توفيق الخالق عزَّ وجلَّ. ثم نهض، واستخدم بوصلته الفضائية لتحديد القبلة، وأخذ يصلى فى خشوع، دون أن يجول بباله لحظة واحدة أن وصوله إلى المحطة الفضائية سيحمل له مفاجأة.. مفاجأة مذهلة.. * * * انعقد حاجبا القائد فى شدة، عندما طالع تقرير الأمن، وسمع حديث رئيس القاعدة وهتف بضباطه : - هذا يعنى الكثير.. الكثير جداً.. منظمة (القلب الأسود) تمتلك مكوك فضاء، وتطلقه نحو محطتنا الفضائية.. ليس لدى تفسير لهذا سوى أنها محاولة لاحتلال (م - 9)، والسيطرة على المجال الفضائى. قال أحد ضباط أركان الحرب فى توتر : - لابد وأن نحذر طاقم المحطة يا سيدى.. صحيح أنهم يمتلكون أسلحة قتالية محدودة، طبقاً لقانون الفضاء العام، ولكنهم يستطيعون صدّ هجوم المكوك لفترة على الأقل، حتى يصل مكوك (خالد) ورفاقه، وهم مدربون على القتال، فى مثل هذه الظروف. لم يكد يتم حديثه، حتى صدر أزيز شاشة الاتصالات، وظهر ضابط الاتصال عليها، وهو يقول : - اتصال جديد مع (القلب الأسود) يا سيدى. هتف القائد فى لهفة : - أوصلنا به على الفور. لم تمض ثانية واحدة، حتى كانت صورة (بلاك هارت) تملأ الشاشة، بملامحه المخيفة فى دائرة الظل، وهو يداعب رأس النمر، قائلاً : - معذرة أيها السادة.. أردت أن ألتقى بكم على وجه السرعة، قبل أن تقدموا على أى تصرف أهوج أو أحمق. صاح به القائد فى غضب : - لماذا أطلقتم مكوكاً فضائياً نحو محطتنا يا (بلاك)؟ أشار (بلاك) بيده، وقال : - لا تجعل هذا يقلقك أيها القائد، فالمكوك يشبه تماماً مكوكاتكم العسكرية، ويحمل نفس الشعار، حتى أن رجالكم فى المحطة (م - 9) سيتصورون أنه أحدها، وسيستقبلونه فى اطمئنان. هتف القائد : - لن يخدع هذا رجالنا أبداً. أجابه (بلاك)، وهو يشير بسبَّابته فى برود ساخر: - هل تعتقد هذا؟ لم يكد ينطقها، حتى هوت حزمة ليزرية من الفضاء، وسحقت برج الإرسال فى القاعدة، فانفجر وأصدر دوياً هائلاً، امتزج بضحكات (بلاك) الساخرة الظافرة، وهو يضيف : - معذرة أيها السادة، فمنذ هذه اللحظة ستستقبلون رسائلى فحسب، ولن تكون لديكم القدرة على الرد، وطبقاً لحساباتى، سيحتاج الأمر منكم إلى سبع ساعات أخرى، لبناء برج اتصالات جديد، وفى هذه الفترة سنكون قد أحكمنا سيطرتنا على الموقف كله. وقهقه ضاحكاً، قبل أن يستطرد : - بالمناسبة.. لقد رصدنا عملية إطلاق مكوك الطوارئ، ويؤسفنى أن أبلغكم أننا سنكون بانتظاره، عندما يصل إلى المحطة الفضائية، وأعتقد أنه من الأفضل ألا تضيعوا وقتكم فى انتظاره، فلن يعود إليكم أبداً. قالها وجلجلت ضحكاته الشرسة فى المكان، وصورته تتلاشى تدريجياً، حتى اختفت، وتركت الجميع فى قاعة الاجتماعات، وقد خيَّم عليهم صمت ممزوج بالمرارة والألم.. مرارة الهزيمة.. * * * "وصلنا إلى المحطة (م - 9).. استعدوا للهبوط..". فتح (خالد) عينيه مع ذلك النداء، الذى تردَّد فى المكوك، فاعتدل، وأحكم رباط حزامه فى اهتمام، وسأل الملاح المجاور له: - هل شاهدت (م - 9) بالفعل؟ أشار الملاح إلى شاشة الكمبيوتر، وهو يقول : - ها هى ذى.. سنصلها بعد عشر دقائق على الأكثر. انعقد حاجبا (خالد)، وهو يتطلَّع إلى الشاشة، قبل أن يسأله فى اهتمام : - يوجد مكوك فضائى آخر هناك.. أليس كذلك ؟ ألقى الملاح نظرة على الشاشة، قبل أن يقول : - بلى.. ولكن هذا عجيب!.. لماذا لم يخبرونا بوجوده؟.. المهبط هناك لن يحتمل مكوكين معاً. ازداد انعقاد حاجبى (خالد) فى شدة، وتعلَّق بصره بذلك المكوك الثانى، وانطلقت الأفكار فى رأسه بسرعة البرق، قبل أن يهتف فجأة : - توقَّفوا.. لا تهبطوا فى المحطة. التفت إليه قبطان المكوك فى دهشة، قائلاً : - ماذا تعنى؟!.. لقد وصلنا بالفعل، ولا يمكننا ألا.. قاطعه (خالد) فى صرامة عنيفة : - لا تجادلنى يا رجل.. تراجع على الفور.. قم بتشغيل الصواريخ العكسية، وابتعد عن هنا بأقصى سرعة. حدَّق فيه القبطان بدهشة، وهمَّ بإلقاء سؤال ما، إلا أنه لم يلبث أن أطبق شفتيه، وتذكَّر أن ما لديه من أوامر يمنح (خالد) سلطة مطلقة فى اتخاذ القرار، فغمغم فى ضيق : - سمعاً وطاعة. وانطلقت الصواريخ العكسية بالفعل، وبدأ المكوك يدور حول نفسه، مبتعداً عن المحطة، و(خالد) يضغط أزرار الاتصال بالمحطة الأرضية، قائلاً : - من مكوك الطوارئ إلى المحطة الأرضية.. هناك مكوك آخر يحتلّ المهبط.. أريد تفسيراً.. أكرِّر.. كرَّر النداء عشرات المرات، إلا أنه لم يتلق جواباً، فى حين انبعث من أجهزة الاتصال بالمحطة الفضائية صوت خشن غليظ، يقول : - لماذا تتراجع يا مكوك الطوارئ؟.. كل شئ معدّ لهبوطك فى المحطة. هتف (خالد) : - هل يعرف أحدكم صاحب هذا الصوت؟ تبادل الجميع نظرات الدهشة، قبل أن يقول القبطان فى عصبية : - لم أسمعه من قبل قط!.. من هذا بالضبط؟ كان هذا الجواب يؤيد تماماً مخاوف (خالد)، الذى هتف : - ابتعد إذن يا رجل.. ابتعد بالله عليك. لم يكد ينطقها، حتى صرخ الملاح فى ذهول وارتياع : - المحطة تطلق صواريخها نحونا.. ماذا يحدث هنا؟ ومع آخر حروف كلماته، ارتجَّ المكوك فى عنف، وظهر انفجار صامت فى الفضاء(*)، فصاح (خالد) : - أربعون درجة إلى اليسار، وانطلقوا إلى الأمام بأقصى سرعة. قالها وهو يعدو نحو حجرة الطوارئ، فى محاولة لتشغيل أسلحة المكوك، الذى ارتجَّ بعنف أكثر، ثم اختل توازن الضغط والهواء فيه بغتة، على نحو كاد يعيد (خالد) إلى كابينة القيادة فى عنف.. وبكل قوته، تشبَّث (خالد) بباب حجرة الطوارئ، وبنظرة واحدة إلى الخلف، أدرك عمق المأساة.. لقد تحطمَّت النافذة الكبيرة لكابينة القيادة، وألقى الانفجار طاقم المكوك كله خارجها، فى الفضاء اللانهائى.. وكاد صدر (خالد) ينفجر، مع ذلك التغير المباغت فى الضغط والحرارة، ولكنه استجمع كل قوته، ودفع جسده داخل حجرة الطوارئ، وضغط زر إغلاق الباب، وهو يلتقط اسطوانة أكسجين، ويضع قناعها على وجهه بسرعة.. وفور إغلاق الباب، انطلقت أجهزة الطوارئ تعمل على الفور، لمعادلة الضغط والحرارة داخل الحجرة، وبرزت ثياب الفضاء الخاصة، فدفع (خالد) جسده داخل إحداها، وهو يغمغم فى مرارة : - قتلوا الجميع.. هؤلاء المجرمون قتلوا الجميع. ومن حسن حظه أن تعادل الضغط ودرجة الحرارة بسرعة، وإلا لانفجرت رئتاه، وتفجرت الدماء من عروقه(*) لكن حلة الفضاء، بخوذتها الزجاجية المستديرة، جعلته يتجاوز هذه الميتة البشعة، فى نفس الوقت الذى ارتجّ فيه المكوك بعنف للمرة الثالثة.. كان من الواضح أن هؤلاء، الذين احتلوا محطة الفضاء، قد قرَّروا نسف مكوك الطوارئ، تماماً، ما دام يرفض الهبوط عليها.. وبسرعة، غادر (خالد) حجرة الطوارئ، ودفع جسده دفعاً، وهو يسبح فى الفراغ، بعد انتهاء الجاذبية الصناعية داخل المكوك، متجهاً نحو مخرج الطوارئ، وهو يلتقط حبلاً طويلاً، ومطرقة معدنية كبيرة.. وعندما ارتجّ المكوك للمرة الرابعة، كان يعبر مخرج الطوارئ، ويسبح فى الفضاء، مبتعداً عنه.. ومن خلفه، انفجر مكوك الطوارئ.. انفجر فى صمت رهيب مخيف، على الرغم من الوهج العنيف، الذى صحب انفجاره، وتناثرت شظاياه فى الفضاء، وراحت تنطلق فى كل الاتجاهات، دون أن يوقفها شئ.. أى شئ.. أما (خالد)، فقد وجد نفسه يسبح فى فضاء سرمدى، بلا أجهزة توجيه، وجسده يبتعد عن محطة الفضاء بلا هدف.. وبلا أمل.. * * * أسند قائد القوات رأسه على راحتيه فى مرارة وأسف، عندما تلقى خبر نسف مكوك الطوارئ، وغص حلقه بسخط لا حصر له، ورئيس القاعدة يقول فى ألم : - كان ينبغى أن نتوقع هذا.. لقد فشلت المهمة قبل أن تبدأ. هتف به رئيس المخابرات : - اصمت بالله عليك. عقد رئيس القاعدة حاجبه، وهو يقول فى صرامة : - أى قول هذا؟.. إننا رجال حرب، والمفروض أن نواجه المواقف بكل الواقعية والحزم، وأن نبحث الخطوة التالية دائماً، دون أن نتوقَّف لحظة واحدة لنبكى على الماضى. رفع قائد القوات عينيه إليه، وقال : - أنت على حق.. لقد وضعنا الكثير من الثقة فى جيش من رجل واحد، وركَّزنا جهودنا كلها على خطة محدودة.. لقد أخطأنا أيها السادة، ومن الضرورى أن نعترف بهذا. قال رئيس المخابرات فى توتر : - لم يكن لدينا خيار آخر. ألقى قائد القوات نظرة على ساعته، قبل أن يقول فى أسف ومرارة : - ولم تعد لدينا فرصة للقيام بمحاولة أخرى.. لم يعد أمامنا سوى أن نعيد دراسة الموقف، وأن ننتظر رد فعل (بلاك هارت). ثم زفر فى مرارة عنيفة، مستطرداً : - ويا له من موقف!.. وفى هذه المرة، ران على المكان صمت ثقيل.. صمت لم يقطعه أحد.. قط.. * * * راح جسد (خالد) يسبح فى الفضاء ببطء، مبتعداً عن المحطة الفضائية، مع الموجة التى صنعها الانفجار، وأدرك عقله بسرعة أنه لو لم يجد وسيلة للتوقَّف، فسيظل جسده يسبح مبتعداً إلى ما لا نهاية، بتأثير القصور الذاتى(*).. وبكل خبراته السابقة، راح عقله يعمل ويعمل، فربط طرف الحبل فى ذراع المطرقة، وألقى المطرقة نحو المحطة، مستغلاً النظرية نفسها.. ولانعدام المقاومة تقريباً فى الفضاء، انطلقت المطرقة نحو المحطة الفضائية بلا توقُّف.. وأصبح الأمر أشبه بسباق عجيب.. جسد (خالد) يبتعد عن المحطة، والمطرقة تتجه إليها.. وكان الأمر يعتمد على سرعة الحركة.. وعلى طول الحبل.. وفيما عدا هذا، لم تكن هناك وسيلة واحدة، يتحكَّم بها (خالد) فى حركة جسده، وكل ما يحيط به مجرد فراغ.. فراغ لا نهائى.. وفوقه، تألَّقت الأرض ككوكب ضخم مضئ، مع انعكاس ضوء الشمس البعيد عليها.. هذا لو أن ظرف المكان يتناسب مع فراغ سرمدى كهذا.. ثم انحسم السباق.. لقد بلغت المطرقة المحطة، قبل أن ينتهى طول الحبل.. وفى حذر خبير، جذب (خالد) الحبل، وراقب المطرقة من بعيد، وهى تنزلق على سطح المحطة، محاولاً تعليقها بأى جزء بارز منه.. ولقد نجح.. أمسكت المطرقة بأحد أنابيب الحرارة الخارجية، المنتشرة على سطح المحطة الفضائية، وتوقَّفت حركتها، وأصبح بإمكان (خالد) أن يجذب جسده بواسطة الحبل، حتى يصل إلى المحطة.. وفى بطء، راح يقترب من المحطة الفضائية متراً بعد آخر، حتى لم يعد أمامه سوى سبعة أمتار، و… وفجأة أفلتت المطرقة، واندفع جسده مرة ثانية إلى الخلف، وابتعد عن المحطة.. لقد خسر بغتة فرصته الأخيرة.. والوحيدة.. * * *
| |
|
| |
مدير المنتدي المدير العام
أوسمة : عدد المساهمات : 734 نقاط التقييم : 12165 تاريخ التسجيل : 13/05/2009 العمر : 38 الموقع : Sudan العمل/الترفيه : د.صيدلي
| موضوع: رد: لصوص القــــمر .. د.نبيل فاروق الخميس فبراير 16, 2012 9:30 pm | |
| الفصل الخامس : حرب الفضاء : ارتسمت ابتسامة واثقة ساخرة على شفتى (بلاك هارت)، وهو يداعب رأس نمره الأليف، ويطالع الرسالة، التى بثَّها إليه رجاله، بعد احتلالهم لمحطة الفضاء (م - 9)، ونسفهم لمكوك الطوارئ، ولوَّح بأصابعه، قائلاً : - عظيم.. كل شئ يسير طبقاً للجدول المحدود. ابتسم أحد رجاله، وهو يقول منافقاً : - أنت عبقرية نادرة أيها الزعيم. استقبل (بلاك) العبارة بمزيد من الابتسام، وهو يقول : - أعلم هذا يا رجل.. أعلم هذا.. كيف صنعت هذه المنظمة الضخمة برأيكم، لو لم أكن عبقرية نادرة. وافقه الرجل بإيماءة من رأسه، وهو يقول فى حيرة : - ولكن لماذا اكتفينا بنسف برج إرسال القاعدة الفضائية العربية؟!.. كان يمكننا أن ننسف مقر القيادة نفسه. هزَّ (بلاك) رأسه نافياً، وقال : - لا تتعجَّل الأمور يا رجل.. إننى أميل للتحرّك بمبدأ خطوة واحدة فى كل مرة.. إننا لم نحكم سيطرتنا بعد على القمر العسكرى بصورة تامة، ولم نعلم أهدافنا بوضوح، ولو أننا نسفنا برج الإرسال فى قاعدة فضائية، فستظل هذه عملية محدودة، أما لو هاجمنا القاعدة كلها، فسنستفز بهذا دول العالم كله، ونبث فيها الشعور بالخطر، وندفعها كلها لمواجهتنا. قال الرجل فى حماس : - المفروض أن القمر الصناعى العسكرى، الذى استولينا عليه، أقوى من أى هجوم مباشر. هزَّ (بلاك) رأسه نافياً مرة أخرى فى بطء، وهو يجيب : - ليس بعد.. ما زلنا حتى الآن نعتمد على (ميل)، وبراعته فى توجيهه، من خلال المكوك الفضائى، أما بعد ساعتين ونصف الساعة من الآن، وعندما تتم لنا السيطرة الكاملة على شفرة التوجيه، وبرنامج القمر بالكامل، فستتغيَّر الأمور كثيراً. تألَّقت عينا الرجل فى جذل وحشى، وهو يسأل : - هل سنضرب القاعدة الفضائية العربية مباشرة؟ استرخى (بلاك) فى مقعده أكثر، وهو يداعب رأس النمر، قائلاً : - نعم يا رجل.. وستكون هذه بداية. واتسعت ابتسامته الظافرة، مع استطرادته : - مجرد بداية. واسترخى فى مقعده أكثر، وأكثر.. * * * خفق قلب (خالد) فى عنف، عندما أفلتت المطرقة من سطح المحطة، وتصور لحظة أنه سيضيع مرة أخرى فى الفضاء، إلا أن المطرقة تحركت على السطح لحظة، ثم تعلّقت بماسورة حرارية أخرى، وتوقفت عن الانزلاق.. وبسرعة، وقبل أن تضيع هذه الفرصة، جذب (خالد) الحبل، ثم ترك جسده يسبح نحو المحطة فى بطء، مستغلاً قانون القصور الذاتى نفسه، والذى يتحقَّق، أكثر ما يتحقَّق، فى الفضاء الخارجى، حيث تنعدم الجاذبية تقريباً، وتبلغ المقاومة أدناها.. وفى هدوء، اقتحم مجال الجذب المحيط بالمحطة، فاجتذبته إلى سطحها فى نعومة، حتى استقر فوقه، وتشبَّث به جيداً، وبعدها راح يزحف عليه فى حذر؛ بحثاً عن مدخل الطوارئ الخاص. لم تكن أوَّل مرة يزور فيها هذه المحطة، فقد سبق له البقاء فيها لأسبوعين كاملين، أثناء فترة التدريبات الفضائية، عند التحاقه بجهاز المخابرات.. وكان يحفظ تصميماتها عن ظهر قلب.. وفى دقة وسرعة، بدأ عقله يضع خطة خاصة للتعامل مع المجرمين، الذين احتلَّوا المحطة الفضائية، ونسفوا مكوك الطوارئ.. لم يكن يعرف عددهم بالضبط، إلا أن طراز المكوك الذى استخدموه للوصول إليها، لم يكن يحتمل أكثر من ستة أفراد على الأكثر، وهذا يعنى أن أكبر عدد يمكن أن يواجهه، من المجرمين، هو ستة أشخاص.. ومن المؤكَّد أنهم يتسلَّحون بمدافع ليزرية على الأقل.. راح عقله يعمل فى سرعة، ويعيد دراسة الموقف من كل الوجوه، وهو يزحف على سطح المحطة، فى اتجاه إبرة الإرسال.. وعند البرج، انتزع سلكاً من حلّته الفضائية، وأوصله بجزء خاص فى البرج، ثم ضغط زر الاتصال، قائلاً: - (نسر - 7) فى العش.. الوليمة مستمرة. قالها وبتر الإرسال دفعة واحدة، قبل أن يثير انتباه محتلِّى المحطة.. ولكن رسالته القصيرة هذه كان لها وقع الصاعقة.. لقد استقبلها رئيس القاعدة الفضائية العربية، فانتفض جسده بأكمله، من فرط الانفعال، وصاح : - مستحيل!.. لقد فعلها ذلك الشاب. اختطف قائد القوات الرسالة من يده، وارتفع حاجباه فى دهشة بالغة وهو يطالعها، قبل أن يواجه الجميع، قائلاً: - خبر رائع يا سادة.. رجلنا نجا من انفجار المكوك بوسيلة ما، وهو يعرّفنا أنه وصل إلى محطة الفضاء (م - 9)، وأن الخطة مستمرة. ارتسمت الدهشة على وجوههم جميعاً، وقال أحد ضباط أركان الحرب فى حماس : - عظيم يا سيِّدى القائد.. هذا يمنحنا ساعتين وخمس دقائق لإتمام المهمة. وهنا تنحنح رئيس المخابرات، قائلاً : - معذرة أيها السادة.. لست أرغب فى تحطيم حماستكم، أو الإقلال منها، ولكن وصول رجلنا إلى (م - 9)، لا يعنى أن المهمة ناجحة. التفتوا إليه جميعاً فى دهشة واستنكار، فتابع فى حزم : - لقد كان الوصول إلى المحطة الفضائية مجرد بداية، كما أرجو ألا يفوتكم هذا، فمن هناك، ينبغى أن يحصل على جهاز دفع فضائى، ويستعين بمركبة فضائية صغيرة، لنقله إلى مدار القمر، ولو أن هؤلاء المحتلين ما زالوا يسيطرون على المحطة، فهذا يعنى أن الجزء الحاسم من الخطة ما زال عسيراً.. عسيراً للغاية.. وأصابت كلمات رئيس المخابرات حماس الجميع فى مقتل، فهبط عليهم الوجوم، وعادت قلوبهم تخفق فى قلق.. وفى خوف.. * * * انعقد حاجبا (بلاك هارت) فى شدة، وهو يستقبل، على أجهزة المراقبة، تلك الرسالة القصيرة، التى بثَّها (خالد) من المحطة الفضائية، وضغط زر الاتصال فى عصبية، وهو يقول : - من القلب إلى القلب.. ماذا يحدث عندكم؟.. أجهزتنا استقبلت رسالة من المحطة إلى القاعدة.. هناك شخص حرّ لديكم. أجابه زعيم قراصنته الفضائيين من المحطة : - مستحيل!.. لقد تخلَّصنا من الجميع هنا.. لا يوجد أحياء على المحطة سوانا. صاح به (بلاك) فى صرامة : - خطأ.. أعد تفتيش المكان كله.. هناك شخص ما بثّ رسالة من المحطة.. ابحثوا عنه فوراً ودمروه.. هل تفهمنى؟.. أريد تقريراً بالقضاء التام عليه، بعد أقل من ساعة. قال القرصان فلى ضيق : - كما تأمر أيها الزعيم.. كما تأمر. أنهى (بلاك) الاتصال، وهو يزفر فى توتر، انتقل إلى أصابعه، التى تداعب رأس النمر، الذى زمجر فى توتر مماثل، فسأل أحد الرجال : - ماذا هناك أيها الزعيم؟.. إنه رجل واحد، وسيعثر عليه (فرايد) حتماً. أجابه (بلاك) فى شراسة : - رجل واحد يمكن أن يصنع فارقاً كبيراً، فى مثل هذه الظروف. لم يجرؤ الرجل على مناقشته، فى مثل هذا الموقف، وصمت هو بدوره بضع لحظات، وهو يفكر فى عمق، ثم بدا من الواضح أنه قد استعاد الكثير من هدوئه، وهو يعود للاسترخاء فى مقعده، ويتمتم : - صدقت يا هذا.. إنه مجرد رجل واحد.. ثم أسبل جفنيه، وعادت أصابعه تداعب رأس النمر.. وبمنتهى الهدوء.. * * * تحرَّك (خالد) فى خفة، فوق سطح المحطة الفضائية، حتى بلغ مدخل الطوارئ، الذى يحفظ موضعه عن ظهر قلب، فأدار قرص الباب، وفتحه، ثم انساب فى خفة إلى المكان، وأغلق الباب خلفه فى إحكام، وضغط أزرار معادلة الضغط، وانتظر حتى أشارت المؤشرات إلى إتمام التعادل، فخلع خوذته الفضائية، والتقط نفساً عميقاً من الهواء، وغمغم وهو يلقى نظرة على ساعته : - الوقت يمضى أسرع مما كنت أتوقَّع.. أمامى أقل من ساعتين، لإتمام المهمة كلها، والطريق من هنا وحتى المكوك يحتاج إلى نصف الساعة على الأقل. لم يكن يدرى كيف يمكنه الوصول إلى المكوك، الذى يحمل القمر الصناعى، ولكنه طرح هذه المشكلة جانباً مؤقتاً، وغادر حجرة معادلة الضغط، وراح يتحرَّك داخل المحطة فى حذر شديد، وهو يحاول دراسة الموقف جيداً.. أين يمكن أن يتواجد ستة أشخاص، داخل محطة فضائية؟!.. خبرته تشير إلى ضرورة تواجد اثنين على الأقل فى حجرة القيادة والمراقبة، وثالث فى حجرة التوجيه، ورابع لحراسة المهبط حتماً.. وهذا يعنى أن هناك اثنين، يجهل تماماً موقعهما، فى أية لحظة.. اثنان يمكنه أن يلتقى بأيهما، أو … "لا تتحرك من مكانك..".. انطلقت العبارة من خلفه فى صرامة شرسة، لتجيب جزءاً من تساؤلاته فتجمَّد فى مكانه، ورفع يديه فى بطء، وصاحب الصوت يستطرد : - استدر بمنتهى البطء، ودعنى أرى وجهك جيداً، وأنت تخبرنى من أنت، وماذا تفعل هنا؟ التفت إليه (خالد) فى بطء شديد، ورآه أمامه ضخم الجثة، قاسى الملامح، يصوِّب إليه مدفعاً ليزرياً قوياً، ويرمقه بنظرات صارمة، فتظاهر بالخوف والاضطراب، وهو يجيب : - أنا مجرَّد عامل بسيط هنا يا سيِّدى، ولست أحمل أية أسلحة. - تفحَّصه الرجل بنظرة سريعة، قبل أن يجذب زر الاستعداد فى مدفعه الليزرى، وهو يقول فى غضب : - هراء.. أنت ترتدى ثياب رجال القوات الخاصة الفضائية، و… كان يصوِّب مسدسه بمنتهى الإحكام إلى (خالد)، ولكنه فوجئ به يختفى بغتة، فتراجع هاتفاً فى ذهول : - ما هذا بالضبط؟ برز (خالد) أمامه بغتة، وهو يقول : - جهاز إخفاء مؤقَّت يا رجل. ثم وثبت قدمه تضرب المدفع الليزرى، وتطيح به بعيداً، وهو يستطرد : - يصنع مجالاً كهرومغناطيسياً محدوداً. وانطلقت قبضته تلكم الرجل فى فكه، مضيفاً : - يكفى لإخفاء رجل بالغ، لخمس ثوان فحسب(*). تراجع الرجل مع اللكمة، وانطلقت من بين شفتيه زمجرة وحشية، ثم انقضَّ على (خالد) فى ثورة، وكال له لكمة عنيفة، صارخاً: - قبضتى أكثر فاعلية إذن. دفعت اللكمة (خالد) إلى الخلف، ولكنه استعاد توازنه بسرعة، والرجل يهوى على فكه بلكمة أخرى، مستطرداً: - فهى تخفى من يتلقَّاها إلى الأبد. انحنى (خالد) فى مهارة، واستقبل اللكمة الثانية على ساعده، وهو يقول : - هذا لو بلغته. وغاصت قبضته اليمنى فى معدة الضخم، الذى خُيِّل إليه أن مطرقة من الصلب ارتطمت به، فشهق وهو ينحنى إلى الأمام فى ألم، ولكن قبضة (خالد) اليسرى حطَّمت أنفه، وأجبرته على الاعتدال ثانية، لتنهى القبضة اليمنى القتال بلكمة ساحقة، هوى لها الضخم فاقد الوعى، وهو يطلق خواراً كالثور.. وفى سرعة، انحنى (خالد) يحيط معصمى الرجل بأحد أغلاله الإلكترونية، ثم انتزع أنبوب الطاقة من مدفعه الليزرى، قائلاً : - من الخطأ أن يحمل أمثالك أسلحة قاتلة، ما داموا لا يجيدون استعمالها. أتاه صوت غاضب من خلفه، يقول : - حقاً؟!.. دعنا نختبر هذا إذن. استدار (خالد) إلى مصدر الصوت بسرعة، ورأى رجلاً آخر يصوِّب إليه مدفعاً ليزرياً مماثلاً، و… ويضغط زناده.. * * * من التدريبات الأساسية، التى يتلقَّاها أفراد الفرقة الفضائية الخاصة، ما يطلق عليه اسم (الاستجابة الفضائية السريعة)، وهذه التدريبات تعتمد على رفع كفاءة التوتر العضلى، وزيادة سرعة استجابتها للمؤثرات الخارجية، بحيث يصبح الفرد قادراً على الاستجابة بسرعة مدهشة، وخاصة فى ظروف انخفاض الجاذبية أو انعدامها.. و(خالد سلمان) واحد ممن برعوا فى هذا المجال.. ففى نفس اللحظة، التى وقع بصره فيها على ذلك الرجل، وسبَّابته تهمّ باعتصار زناد مدفعه الليزرى، استوعب عقله الموقف كله، ودرسه فى سرعة، ثم اتخذ ردّ الفعل المناسب.. كل هذا فى أقل من ثانية واحدة، بحيث مال (خالد) جانباً، قبل أن يكتمل ضغط سبَّابة الرجل على زناد مدفعه، فانطلقت أشعة الليزر القاتلة متجاوزة (خالد)، وارتطمت بجدار مجاور، فى نفس اللحظة التى وثب فيها بطلنا نحو الرجل، قائلاً : - خسرت فرصتك يا رجل. ولكن الرجل قبض على يد (خالد) فى قوة، وهو يقول فى شراسة : - صدقت.. لقد حان دورك. ثم حمله بذراعين فولاذيتين، وألقاه نحو الجدار، مستطرداً : - فى قائمة الموت. ارتطم (خالد) بالجدار فى عنف، وشعر بآلام مبرحة فى كل عظمة من عظام جسده، قبل أن يسقط أرضاً، ورأى الرجل ينقضّ عليه ثانية كخرتيت ثائر، فهبَّ واقفاً على قدميه، واستقبله بلكمة كالصاعقة فى فكه، وأخرى كالقنبلة فى أنفه، ورأى الدماء تسيل من الأنف فى غزارة، ولكن الرجل لم يتراجع، أو يتوقَّف عن هجومه، وإنما انقضّ بنفس العنف، وهو يزمجر كالوحش، وأحاط وسط (خالد) وذراعيه فى قوة، كما لو كان كلابة من الفولاذ، وراح يعتصره فى عنف، وهو يطلق صرخات وحشية مخيفة.. وشعر (خالد) بأنفاسه تضيق، وراح يلهث لاستنشاق الهواء، والرجل يواصل اعتصاره أكثر وأكثر، فأدار يده إلى أقصى ما يسمح به مفصل معصمه، والتقط من حزامه قرصاً صغيراً، ألصقه بجانب الرجل، وهو يهتف لاهثاً : - أمثالك أشبه بالحيوانات والوحوش. ثم ضغط منتصف القرص، مستطرداً : - ويستحقون معاملة الوحوش. ومع ضغطته، تألَّق القرص فجأة، وانتفض جسد الرجل فى عنف، وتراخى ذراعاه من حول وسط (خالد)، الذى تملَّص منه، وقفز أرضاً، وتركه يتلوى فى ألم شديد، ويزمجر فى شراسة رهيبة، قبل أن يسقط أرضاً فاقد الوعى.. ولثوان، راح (خالد) يلهث فى شدة، من فرط ما بذله من جهد، وما عاناه من ألم، ثم ألقى نظرة على ساعته، وتمتم متوتراً : - بقيت ساعة ونصف الساعة فقط.. الوقت يمضى بسرعة مدهشة. أحاط معصمى الرجل بأغلال إلكترونية أخرى، ثم انطلق يعدو، عبر ممرات المحطة، وهو يعيد دراسة الموقف كله.. الوقت يجرى بسرعة شديدة، والوسيلة الوحيدة لإكمال الخطة، هى أن يتغلَّب على الرجال الأربعة الباقين، ثم ينطلق إلى المكوك، بواسطة مركبة فضائية صغيرة، وجهاز دفع فضائى.. وفى نفس الوقت، الذى يعدو فيه، كان (فرايد) يقول لزميله، داخل حجرة القيادة والمراقبة: - (جاك) و(برنى) لم يظهرا بعد، ولا يستجيبان لأية اتصالات.. ما الذى يعنيه هذا؟ أجابه زميله فى توتر شديد : - يعنى أن الزعيم على حق.. هناك شخص ما داخل المحطة، أمكنه التغلب عليهما، وما زال يتجوَّل بحرية. عقد (فرايد) حاجبيه الكثين عن آخرهما، حتى كادا يمتزجان، وهو يقول : - هذا يفسد الخطة كلها، ولن يغفر لنا الزعيم هذا قط.. أنت تعرف قانونه، فيما يتعلَّق بالفشل. سرت قشعريرة فى جسد زميله، وهو يتمتم : - نعم.. أعرف هذا جيداً. أشار (فرايد) بيده، قائلاً : - اسمع.. إننا لن نبلغه بما يحدث هنا.. سنتولَّى الأمر بأنفسنا.. قل لى.. هل يمكنك عزل حجرة التوجيه، والمهبط، وهذه الحجرة، عن باقى أجزاء المحطة؟ جرت أصابع زميله (دينو) على أزرار الكمبيوتر، وهو يجيب : - بالتأكيد.. نظام الأمن هنا يسمح لك بإغلاق وعزل أى جزء من أجزاء المحطة، فى حالة الطوارئ. أجابه (فرايد) : - فليكن.. اعزل هذه الأجزاء، ثم أوقف ضخّ الأوكسجين تماماً فى باقى المحطة. حدَّق (دينو) فى وجهه بدهشة، وهو يقول : - ولكن هذا يعنى حكماً بالإعدام على (جاك) و(برنى). لوَّح (فرايد) بيده فى حدة، قائلاً : - وحكماً بإعدام ذلك المتسلِّل أيضاً.. قل لى: ماذا تفضِّل يا رجل؟.. حياتك أم حياتهم؟ صمت (دينو) لحظة، ثم عاد يضغط أزرار الكمبيوتر فى سرعة.. لقد حسم أمره، واختار.. اختار حياته. * * * انتزع (خالد) من حزامه اسطوانة رفيعة أشبه بقلم حبر تقليدى، وألصق طرفها بذلك الجزء الذى اختاره، من جدار المحطة الداخلى، وراح يحركه فى بطء، حتى أضئ مصباح صغير فى قاعدته، فضغط زراً جانبياً فيه، وراقب ذلك الشعاع الرفيع من الليزر، الذى انطلق من قمة الاسطوانة، وأذاب الجدار فى سرعة.. وبعد دقيقة واحدة تقريباً، انتزع (خالد) الجزء المذاب من الجدار، ثم التقط من خلفه شريطاً سميكاً، يحوى عدة أسلاك، وأخرج جهازاً خاصاً من جيبه، أخذ يعالج به الأسلاك فى سرعة ومهارة، ويعزلها عن بعضها البعض، قبل أن ينتقى منها أربعة أسلاك، ثم يقطعها بشعاع الليزر الدقيق، ويبتسم فى ارتياح، مغمغماً: هكذا يصبح وجودكم بلا فائدة أيها المجرمون، بعد أن أوقفت عمل أجهزة التحّم اليدوية فى القيادة والتوجيه والدفاع، ومن الآن فصاعداً ستخضع المحطة كلها للتوجيه الآلى وحده، و… قبل أن يتم عبارته، انطلق أزيز حاد من جهاز خاص فى حزامه.. وخفق قلبه فى عنف.. فقد كان هذا الإنذار يعنى أن نسبة الأوكسجين(*) فى الفراغ المحيط به قد انخفضت إلى حد كبير.. حد قاتل. * * *
| |
|
| |
مدير المنتدي المدير العام
أوسمة : عدد المساهمات : 734 نقاط التقييم : 12165 تاريخ التسجيل : 13/05/2009 العمر : 38 الموقع : Sudan العمل/الترفيه : د.صيدلي
| موضوع: رد: لصوص القــــمر .. د.نبيل فاروق الخميس فبراير 16, 2012 9:31 pm | |
| الفصل السادس : الخسارة : سرت موجة عنيفة من التوتر، فى جسد (فرايد)، عندما أعلن كمبيوتر القيادة توقُّف التحكم اليدوى، والانتقال إجباريا؟ً إلى التحكم الآلى، وهتف فى حنق : - ما هذا بالضبط ؟ أسرع (دينو) يضغط أزرار الكمبيوتر، الذى ظهرت على شاشته خريطة لتوزيع الأسلاك والمستقبلات، وتحدَّدت وسطها منطقة العطل، فانعقد حاجبا (دينو)، وهو يقول : - إنه أمر متعمَّد.. يبدو أن ذلك الشخص أتلف الأسلاك فى تلك البقعة. عضَّ (فرايد) شفتيه فى غيط، وهو يسأله : - هل يمكنك رصد ذلك المكان؟ عاد (دينو) يضغط أزرار الكمبيوتر، قائلاً : - بالطبع.. انتقل بصر (فرايد) بسرعة إلى شاشة المراقبة، التى حملت صورة (خالد)، وهو يتحرَّك بسرعة، محاولاً تجاوز تلك المنطقة، التى انخفضت فيها نسبة الأوكسجين، فهتف المجرم : - آه.. ها هو ذا.. لا تسمح له بالفرار يا (دينو).. حاصره فى تلك المنطقة.. لا تسمح له بالخروج منها قط. أسرعت أصابع (دينو) تتعامل مع الكمبيوتر، وهو يتطلَّع إلى الشاشة، ويتابع كل تحركات (خالد)… كان بطلنا يعدو عبر ممر طويل، وقد بدأ يلهث فى شدة، مفتقراً إلى الأوكسجين، ومحاولاً بلوغ باب الممر.. ولكن الباب بدأ يُغلق فى بطء.. وبذل (خالد) مجهوداً خرافياً لبلوغ الباب، ولكن ذلك النقص المتزايد فى الأوكسجين جعل أنفاسه تتلاحق على نحو عنيف واضح، وأصاب عضلاته بشئ من الوهن، أبطأ من سرعته، و… ولم ينجح فى اللحاق بالباب.. لقد التقت ضلفتاه، وأحكم إغلاقهما، قبل أن يبلغه بلحظة واحدة.. وارتسم الارتياع على وجهه، وهو يتراجع كالمصعوق، فأطلق (فرايد) ضحكة عالية مجلجلة، وهو يهتف : - فعلناها يا رجل.. ظفرنا بذلك العربى.. لقد وقع فى الفخ كأى فأر حقير. شاهدا على الشاشة (خالد) يترنَّح، ويداه ترتفعان إلى عنقه، وكأنه يبذل قصارى جهده لالتقاط نسمات الهواء، قبل أن يطلق شهقة عالية، ويسقط أرضاً.. ولثوان، تطلَّع الرجلان إلى جسد (خالد)، الذى انقلب على وجهه، وسكنت حركته تماماً، ثم غمغم (دينو) : - انتهى الأمر. أجابه (فرايد) فى حسم : - ليس بعد. التفت إليه (دينو) فى دهشة، فاستطرد فى صرامة : - لابد وأن نصلح تلك الأسلاك، وإلا فلن يمكننا التحكم فى القيادة، عندما تحين اللحظة المناسبة، والزعيم لا يمكن أن يغفر هذا أبداً. تنهَّد (دينو) مغمغماً بحروف مرتجفة : - أعلم هذا.. أعلم هذا. ثم التقط أدوات الإصلاح، مستطرداً : - سأبدأ هذا على الفور.. انتظر حتى أصل إلى هناك، ثم اضغط هذا الزر الأصفر، وسيعود ضخ الهواء فى المنطقة. غمغم (فرايد)، فى شئ من التوتر : - فليكن.. اصطحب (كارل) معك.. سأتصل به فى حجرة التوجيه، ليلحق بك هناك، ويعاونك فى إصلاح الأسلاك. غادر (دينو) المكان، وأجرى (فرايد) الاتصال المطلوب، ثم استرخى فى مقعده، وجلس يراقب الشاشة، حتى رأى الرجلين يتقربان من المنطقة، وسمع (دينو) يقول، عبر جهاز الاتصال الداخلى : - اضغط الزر الأصفر، وافتح الباب. نفَّذ (فرايد) ما طلبه (دينو)، ورأى على الشاشة هذا الأخير، وهو يدخل المنطقة مع (كارل) وجسد (خالد) ملقى بالقرب من الباب، و… وفجأة، دبّ نشاط عجيب فى ذلك الجسد، فهبّ صاحبه واقفاً على قدميه، وانطلقت قبضته كالقنبلة، تنسف أنف (دينو)، وتلقيه خارج المكان فاقد الوعى، ثم غاصت قدمه فى معدة (كارل)، الذى أخذته المفاجأة، فلم ينبس ببنت شفة، وقبضة (خالد) تحطم فكه، وتلحقه بزميله. وقفز (فرايد) من مقعده ذاهلاً، وكاد يخترق شاشة المراقبة بوجهه، الذى التصق بها فى ارتياع، وكأنما لا يصدِّق ما يراه.. ولاحظت عيناه هذه المرة ذلك القناع الشفَّاف الصغير، الذى أحاط أنف (خالد) وفمه، واتصل بأنبوب شفاف أيضاً، ينتهى باسطوانة صغيرة، من اسطوانات الأوكسجين المضغوط.. وفهم (فرايد) كيف نجا (خالد).. فهم هذا بعد فوات الأوان، فقد وثب (خالد) عبر الباب المفتوح، وانطلق يعدو متجهاً نحو حجرة القيادة.. وفى ارتياع مضطرب، تراجع (فرايد) صارخاً : - لا.. لا.. مستحيل!.. لقد كان يخدعنا.. عرف أننا نراقبه وخدعنا. شمله الذهول والذعر لحظات، ثم استعاد انتباهه للموقف بغتة، فقفز نحو لوحة الأزرار، فى محاولة لإغلاق باب حجرة القيادة، قبل أن يبلغها (خالد).. ولكنه، أيضاً فى هذه المرة، تحرَّك بعد فوات الأوان.. لقد اقتحم (خالد) الحجرة كإعصار هادر، وانقضّ عليه قبل أن يلتقط سلاحه، وكال له لكمة ساحقة، وهو يقول : - انتهت اللعبة أيها المجرم. ثم أعقبها بثانية صاعقة، مستطرداً : - ولقد أسأت أداء دورك. وحسم المعركة بلكمة ثالثة، تحطَّمت لها أسنان (فرايد) الأمامية، وهو يضيف : - وخسرت. سقط (فرايد) فاقد الوعى، عند قدمى (خالد)، الذى ضغط أزرار الكمبيوتر فى سرعة ليعيد التوازن إلى المحطة، قبل أن يضغط زر الاتصال، ويضيف شفرة القاعدة الفضائية العربية، ثم يقول فى حزم واختصار: - (نسر - 7) فى العش.. اكتفى بهذا القول، وأنهى الاتصال، ثم عاد يضغط أزرار الكمبيوتر ليدرس خطوته الأخيرة فى المحطة الفضائية، مع آخر المحتلين.. ذلك الذى يسيطر على ممر الهبوط.. وفى تلك اللحظة، كانت ساعته تشير إلى أنه لم يعد أمامه سوى ساعة.. ساعة واحدة، وبعدها تفقد الأرض حريتها.. وإلى الأبد.. * * * التقط قائد القوات أنفاسه فى انفعال، وهو يطالع رسالة (خالد) المقتضبة، ثم رفع عينيه إلى القادة قائلاً : - ما الذى تعنيه هذه الرسالة فى رأيكم؟ همَّ أحد ضباط أركان الحرب بقول شئ ما، ولكن رئيس المخابرات الفضائية سبقه قائلاً : - رجلنا يعلن أنه ما زال يسيطر على الموقف فى المحطة. سأله أحد الضباط فى دهشة : - وما الذى يشير إلى السيطرة، فى رسالة مقتضبة كهذه؟ أجاب رئيس المخابرات فى حزم : - إنها لغتنا. ألقى قائد القوَّات نظرة على ساعته، وهو يقول : - لو أنه يسيطر على الموقف بالفعل فى (م - 9)، فلماذا لم ينطلق بعد إلى القمر الصناعى؟!.. الوقت يمضى بسرعة شديدة.. أجاب رئيس المخابرات : - رسالته تعنى أنه ما زال أمامه عمل ما، قبل أن ينطلق إلى مدار (بدر - 1)، ولكن الخطوة الباقية يمكن تجاوزها. هزَّ قائد القوات رأسه، وهو يقول : - لا يمكنك أن تثق فى أمر، لم يتمّ بعد. قلب رئيس المخابرات كفيه، قائلاً : - وليس لدينا ما نفعله سوى هذا.. لابد وأن نمنح ثقتنا لرجلنا هناك، وندعو الله (سبحانه وتعالى) أن يوفقه فى مهمته. تنهَّد قائد القوات، وقال : - نعم.. ليس أمامنا سوى أن نبتهل إلى الله (سبحانه وتعالى)، أن يوفق رجلنا، الذى يقاتل وحده هناك. ورفع رأسه إلى أعلى مستطرداً : - على ارتفاع ألف كيلو متر. قالها، وساد صمت رهيب فى المكان.. صمت مترقِّب.. ومتوتر.. * * * انعقد حاجبا (بلاك هارت) فى شدة، وبدا عليه التوتر الشديد، وهو يراجع الرسالة، التى التقطتها أجهزة التصنت فى يخته المتطوِّر، وراح يرددها فى بطء عصبى : - (نسر - 7) فى العش.. (نسر - 7) فى العش.. ما الذى يعنيه هذا؟ زفر فى حنق وغضب، ومرَّر أصابعه فى خصلات شعره فى عصبية، وهو يتراجع فى مقعده، وعيناه لا تفارقان شاشة الكمبيوتر، ثم ضرب مسند مقعده بقبضته، هاتفاً : - لقد فشلوا.. هؤلاء الحمقى فشلوا فى القضاء على رجل واحد. وضغط أزرار جهاز الاتصال فى توتر، قائلاً : - من القلب إلى القلب.. ما موقفكم بالضبط؟.. فليجب كل منكم على حده.. (جاك) هل تسمعنى؟.. (برنى).. (فرايد).. (دينو).. (كارل).. (بست). أتاه صوت (بست)، عبر جهاز الاتصال، قائلاً : - أنا هنا أيها الزعيم.. ما زلت أسيطر على المهبط، ولكن أحداً لا يستجيب لنداءاتى، ولست أدرى ماذا حدث بالضبط. انعقد حاجبا (بلاك) أكثر وأكثر، وهو يغمغم : - لقد هزمهم جميعاً.. رجل واحد هزمهم جميعاً.. ياللعار. ثم استغرق فى التفكير بضع لحظات، وصوت (بست) يتردَّد عبر جهاز الاتصال : - ماذا حدث أيها الزعيم؟.. ماذا أفعل ؟ هتف به (بلاك) فى حدة : - اصمت يا رجل، ودعنى أفكِّر. لاذ (بست) بالصمت تماماً لدقيقة أو يزيد، قبل أن يقول (بلاك) فجأة : - آه.. هذا ما يسعى إليه حتماً. سأله (بست) فى حذر : - ما هذا بالضبط أيها الزعيم ؟ أجابه (بلاك) فى حماس مباغت : - اسمعنى جيداً يا (بست).. نفّذ ما سآمرك به دون مناقشة.. انسف المكوك الذى وصلتم به إلى المحطة الفضائية، وكل المركبات الفضائية فى المحطة.. لا تترك وسيلة انتقال واحدة لديك. أتاه صوت (بست)، وهو يقول فى ذهول : - لماذا أيها الزعيم؟!.. كيف سأعود إلى الأرض إذن؟ صرخ فيه (بلاك) غاضباً : - نفذ الأمر أيها الغبى، وإلا فلن تعود إلى الأرض أبداً.. نفذ دون مناقشة. أجابه (بست) بسرعة : - كما تأمر أيها الزعيم.. كما تأمر. أنهى (بلاك) الاتصال، وعاد يداعب رأس نمره الأليف، وهو يقول لنفسه : - فليكن أيها العرب.. تصرَّفوا بأكبر قدر من الذكاء تملكون، ولكن أكبر تصرف عبقرى لكم، لن يبلغ أدنى درجات ذكاء (بلاك هارت).. وما هى إلا ساعة واحدة، ويعرف العالم كله من الأكثر براعة. ثم أسبل جفنيه، وكرَّر : - والأكثر قوة. وانفجرت ضحكته تجلجل فى المكان.. * * * تحرَّك (خالد) فى سرعة وخفة، متجهاً نحو المهبط، وهو يُلقى نظرة على ساعته، فى توتر بالغ.. كان الوقت يمضى بسرعة بالفعل، والمفترض أن يحصل على آلة الدفع الفضائية، وعلى مركبة تقوده إلى مدار القمر، وبأقصى سرعة ممكنة، وإلا فشلت مهمته كلها.. ولنصف دقيقة، توقَّف عند مخزن الطوارئ، والتقط جهاز الدفع الفضائى، ثم واصل طريقه إلى المهبط.. كان يدرك جيداً أن آخر المجرمين يسيطر على المهبط، وأن الوسيلة الوحيدة للحصول على مركبة فضائية، هى إزاحته من طريقه.. وهذا ما قرر فعله بالضبط.. وفى حذر، توقف عند مدخل المهبط، وأخرج من حزامه سلكاً رفيعاً، ينتهى بكرة صغيرة، ودفعه عبر المدخل.. وفى بطء، راحت الكرة تتحرك يميناً ويساراً، ثم تكونت على سطح ساعة (خالد) صورة إلكترونية صغيرة لجزء من المهبط، يقف فيه (بست)، مولياً ظهره للمدخل، وقد انهمك فى عمل ما.. واندفع (خالد) يقتحم المدخل، و… وفجأة، ارتجّّت المحطة فى عنف، وأمام نافذة المهبط الضخمة، اندفع لسان من النار واللهب، وتبعته شظايا المكوك المنفجر.. ومع الارتجاع المباغت، فقد (خالد) توازنه.. وسقط.. وبسرعة، استدار (بست) إليه، واتسعت عيناه لحظة فى ذعر، ثم جذب مدفعه الليزرى، وصوَّبه إليه.. وأطلق النار.. وأصابت الطلقة الأولى أرضية المهبط، على بعد سنتيمتر واحد من (خالد)، الذى هبَّ واقفاً على قدميه، فى سرعة مدهشة، وتراجع بقفزة مرنة، فى نفس اللحظة التى أطلق فيها (بست) طلقته الثانية، وشعر بها (خالد) تحتك بجانب عنقه، وتؤلمه بشدة، فوثب إلى الأمام، وانحنى فى رشاقة، وهو ينزلق على أرضية المهبط، هاتفاً : - كان ينبغى أن تجيد التصويب أفضل من هذا. وبحركة مزدوجة، التقط قدمى (بست) بين ساقين، ثم دار حول نفسه، فأفقد هذا الأخير توازنه، وأسقطه أرضاً، وهو صرخ فى غضب .. ولكن (بست) تراجع فى سرعة، وخلَّص قدميه من بين ساقى (خالد) وصوَّب إليه مدفعه الليزرى، قائلاً فى سخط: - شكراً للنصيحة. انطلقت قدم (خالد) تسبق سبَّابة (بست)، وتركل المدفع فى قوة، فانطلقت الأشعة القاتلة فى سقف المهبط، قبل أن يسقط المدفع نفسه بعيداً.. وقفز (بست)، يحاول استعادة مدفعه، ولكن (خالد) سبقه إليه، وركله فى قوة، فأطاح به بعيداً، وهو يقول : - دعنا نتجاهل الأسلحة هذه المرة يا رجل، فلست أميل إليها. احتقن وجه (بست) غضباً، وانقضَّ على (خالد) فى وحشية، وكال له لكمة عنيفة، هاتفاً : - فليكن أيها المتحذلق.. حاول أن تجارينى فى هذا. كانت قبضته قوية ومتمرسة بالفعل، فأصابت (خالد) فى فكّه، وألقته إلى الخلف، وعاجله (بست) بلكمة أخرى فى معدته، فى مهارة تليق بالمحترفين، مستطرداً : - أنت لا تعرف من تقاتل. شعر (خالد) بقوة ضربات الرجل، وأدرك أنه يواجه محترفاً قوياً، ورآه يرفع قبضته، استعداً لتوجيه لكمة ثالثة إليه، فانحنى بسرعة، وتفادى اللكمة فى مهارة، وهو يقول : - أعتقد أن هذا ينطبق عليك أيضاً. ثم لكمه فى معدته بكل قوته، مضيفاً : - فأنت أيضاً تجهل من تقاتل. تراجع (بست) فى غضب، وأطلق زمجرة عجيبة، قبل أن يهتف : - لن تربح أيها العربى.. لن تربح أبداً. وأخرج من جيبه مسدساً ليزرياً بحركة سريعة، مستطرداً : - لأنك ستموت. قفز (خالد) فى مرونة، ودار حول نفسه فى خفة مدهشة، ليركل المسدس من يد (بست)، ثم ارتفعت قدمه الأخرى تضربه فى صدره، وتدفعه إلى الخلف فى قوة، و(خالد) يهتف : - من أين أتتك هذه المعلومة؟.. أنت تخطئ دائماً. سقط (بست) أرضاً، وزحف على ظهره لمتر أو يزيد، فوق أرضية المهبط، ثم اعتدل، وقال فى ثورة: - بل أنت الذى يخطئ دائماً أيها العربى.. لقد أخبرتك أنك لن تربح أبداً، وما زلت أكررها.. لن تربح أبداً أيها العربى.. لن تربح أبداً. وانتزع جهازاً صغيراً من حزامه، وضغط زراً فيه، مردداً فى ثورة غاضبة مجنونة : - أبداً. أدرك (خالد) على الفور ما تعنيه ضغطة الزر، فتراجع بسرعة، هاتفاً : - ماذا فعلت أيها التعس؟ وانطلق يعدو خارج المهبط.. ومن خلفه دوى الانفجار.. انفجرت كل المركبات الفضائية، وانمحى معها السبيل إلى بلوغ (بدر - 1).. والأمل فى نجاح المهمة.. آخر أمل.
* * *
| |
|
| |
مدير المنتدي المدير العام
أوسمة : عدد المساهمات : 734 نقاط التقييم : 12165 تاريخ التسجيل : 13/05/2009 العمر : 38 الموقع : Sudan العمل/الترفيه : د.صيدلي
| موضوع: رد: لصوص القــــمر .. د.نبيل فاروق الخميس فبراير 16, 2012 9:33 pm | |
| الفصل السابع : إلى القمر : لم تكد أجهزة الرصد تنقل إلى (بلاك هارت) ذلك الانفجار، الذى نسف كل مركبات الفضاء، على سطح المحطة الفضائية، حتى تراجع فى مقعده، وأطلق ضحكة ظافرة مجلجلة، جعلت النمر يهبّ واقفاً، ويزمجر فى توتر شديد، فأشار إليه (بلاك) قائلاً : رويدك يا (تيجى).. رويدك.. لقد انتصرنا فى هذه الجولة أيضاً، وهزمنا هؤلاء العرب.. لم يعد هناك ما نخشاه فى خطتنا، بعد أن أفقدناهم كل وسائل الانتقال إلى (بدر - 1). زمجر النمر مرة أخرى، ثم عاد يستكين إلى جوار صاحبه، الذى داعب رأسه مرة ثانية، وأشار إلى أحد رجاله، قائلاً: - أوصلنى برجلنا (ميل)، فى المكوك الفضائى العربى. أتم الرجل الاتصال على الفور، فالتقط (بلاك) نفساً عميقاً فى ارتياح، وقال : - كيف حالك يا (ميل)؟.. إلى أين وصلت، فى عملية إعادة التشفير والبرمجة. أجابه (ميل)، فى لهجة تفوح برائحة الزهو : - أربعون دقيقة فقط، ويصبح ذلك القمر العربى ملكاً خالصاً لنا. ابتسم (بلاك) فى ارتياح، وهو يقول : - عظيم.. كل شئ يسير وفقاً للجدول. أجاب (ميل) فى حماس : - يمكنك أن تعتبر أننا قد حقَّقنا نصراً كاملاً أيها الزعيم. أجابه (بلاك) فى حزم : - لست أميل إلى استباق الأحداث يا (ميل).. انتظر حتى نمتلك التحكم الكامل فى القمر، وبعدها نحتفل بالنصر. سأله (ميل) فى شغف : - قل لى أيها الزعيم : ما أوَّل هدف ترغب فى نسفه، عندما تصبح لنا السيطرة الكاملة على القمر العسكرى العربى؟ لوَّح (بلاك) بيده، قائلاً : - أى سؤال هذا؟.. استخدم ذكاءك يا رجل.. هدفنا الأوَّل سيكون القاعدة الفضائية بالطبع. وعاد يسترخى فى مقعده، مستطرداً : - قاعدة الفضاء العربية. ومع ضحكته هذه المرة، انتفض النمر، وعاد يزمجر.. ويزمجر.. ويزمجر.. * * * ازدرد رئيس القاعدة الفضائية العربية لعابه فى صعوبة، محاولاً ترطيب حلقه الجاف، وهو يعلن للجميع فى مرارة: - أجهزتنا رصدت انفجارين عند المحطة الفضائية يا سادة.. أحدهما لمكوك القراصنة، الذين احتلوا المحطة (م - 9)، والآخر داخل المهبط، ولقد قدر الخبراء، من شدة الانفجار الثانى، أنه نسف كل مركبات الفضاء فى المحطة تماماً. امتقع وجه قائد القوات، وهو يقول : - هذا يعنى أن رجلنا فقد آخر وسيلة انتقال إلى (بدر - 1).. لقد فشلت المهمة. اندفع رئيس المخابرات، قائلاً : - ليس بعد. التفت إليه الجميع فى دهشة، وسأله قائد القوات فى شئ من العصبية : - ماذا تعنى يا رئيس المخابرات؟.. العقل والمنطق يؤكدان أن رجلنا فقد كل وسيلة للانتقال.. كيف يمكنه أن يصل إذن إلى القمر الصناعى العسكرى، وأن يحرره من سيطرة منظمة (القلب الأسود)؟. انعقد حاجبا رئيس المخابرات، وهو يقول : - رجالنا يتلقون تدريبات عديدة يا سيادة القائد.. تدريبات من نوع خاص، وبكثافة كبيرة، ومن أهم تدريباتهم ذلك التدريب الخاص بإجادة التصرف وفقاً لمقتضيات الأمور، وفيه يتعلمون كيف يعثرون على ما يحتاجون إليه، من البيئة المحيطة، مهما كانت الظروف، وكيف يتصرفون مع ضعف الإمكانيات، لتحقيق أفضل النتائج.. أجابه أحد ضباط أركان الحرب فى توتر عصبى : - هذا يمكن أن يصلح فى ساحة قتال يا سيادة رئيس المخابرات، عندما يستطيع رجالك الأسطوريون تحويل وعاء قمامة إلى قنبلة، أو استخدام حوض مياه لنسف دبابة نووية، ولكن المعركة تدور هذه المرة فى الفضاء.. هناك.. حيث ينعدم الهواء، وتنعدم الجاذبية، ولا توجد وسيلة واحدة للانتقال، سوى ما ابتكرته قريحة البشر، فكيف ينجح رجلك هذا فى بلوغ (بدر - 1)، وهو يعدم كل وسيلة انتقال؟ أجابه رئيس المخابرات الفضائية فى حدة : - سيجد وسيلة ما بإذن الله. سأله الضابط: - أية وسيلة ؟ لم يجب رئيس المخابرات هذه المرة، ولكن عقله راح يكرِّر السؤال فى توتر شديد.. كيف يستطيع (خالد سلمان) الانتقال إلى (بدر - 1)، وهو لا يملك وسيلة انتقال معروفة؟.. كيف؟!.. * * * انفجرت مركبات الفضاء فى عنف، داخل المحطة الفضائية (م - 9)، وأطاح الانفجار بجزء من المهبط، فانخفض الضغط داخله بغتة، واندفع جسد (بست) خارجه إلى الفضاء، وهو يطلق صرخة مدوية، تلاشت مع غرقه فى الفضاء الصامت، فى حين سمع (خالد) من خلفه طرقعة قوية، وشعر بقوة هائلة تجذبه إلى المهبط، على الرغم من عدوه مبتعداً عنه.. وبكل قوته، تشبَّث (خالد) بأقرب جهاز صادفه، وقوة الشفط الهائلة تجاهد لدفعه خارج المحطة، عبر الفجوة الحادثة، مع انخفاض الضغط المباغت، وصفير الإنذار يدوى فى المكان، معلناً حالة الطوارئ.. كانت أصابع (خالد) الفولاذية تتشبث بالجهاز بكل قوة، ولكن قوة الشفط الهائلة انتزعت الجهاز نفسه من مكانه، ودفعته نحو مدخل المهبط، الذى بدأ يُغلق آلياً، كإجراء وقائى مباشر، ضد ذلك الانخفاض فى الضغط، وكمبيوتر الأمن يحاول عزل المهبط عن باقى المحطة.. ثم أفلتت أصابع (خالد).. أفلتت واندفع جسده نحو المدخل بسرعة مدهشة، وبدا له أنه ضائع فى الفضاء لا محالة.. وبسرعة البرق، انطلق عقله يستعرض ما يمكن أن يصيبه، إذا ما اندفع جسده بغتة إلى الفضاء الخارجى، دون حلة واقية.. بداية، ستنخفض درجة الحرارة بشدة، حتى تتجمَّد أطرافه، ويتحوَّل جسده إلى تمثال من الثلج، ثم تنتفخ عروقه، مع اختلاف الضغط داخلها عن خارجها، وتئن رئتاه ألماً، و… ولكن مدخل المهبط أكمل رحلته، قبل أن يتجاوزه (خالد) فارتطم به فى عنف، ثم سقط أرضاً، وهو يلهث فى شدة.. وعلى الرغم من الآلام، التى تسرى فى جسده كله، والدوار العنيف الذى يكتنف رأسه، ألقى نظرة على ساعته فى ارتياع، وهتف : - ذلك المجرم نسف المركبات، وأضاع وسلة الانتقال والوحيدة. تلفَّت حوله فى توتر بالغ، وانطلق عقله يعمل ككمبيوتر بشرى دقيق، فى محاولة للبحث عن وسيلة أخرى، تمكنه من بلوغ (بدر - 1)، قبل فوات الوقت اللازم.. واستعرض بسرعة كل ما درسه مسبقاً، عن تصميم المحطة، وتسليحها، ونظم الأمن، والطاقة.. وفجأة، توقف عقله عند نقطة محددة.. نقطة بدت له جنونية تماماً.. ولكنها كانت تحمل أملاً.. أملاً أخيراً.. وبلا تردد، انطلق يعدو عبر ممرات المحطة، متجهاً نحو القسم الدفاعى للمحطة، وهناك ارتدى زياً قضائياً بسرعة، وأحكم خوذته جيداً، ثم ثبَّت جهاز الدفع الفضائى على ظهره، وجذب ذراعيه إلى جانبيه، وفتح الأنبوب الخاص بالقذائف النووية فى المحطة، واستنفر قوته كلها، ليجذب ذراع القذيفة النووية، ويخرجها من الأنبوب، وبعدها انتقل إلى أجهزة التحكم، وأشعل شاشة التوجيه، وراح يصوِّب أنبوب الإطلاق فى إحكام نحو القمر (بدر - 1)، وضغط أزرار الكمبيوتر فى براعة، وهو يراجع كل ما حملته شاشته من معادلات دقيقة، ثم التقط نفساً عميقاً، وغمغم : - ساعدنى يا إلهى!.. أمتى فى خطر. قالها، وضغط الزر الأخير، فانطلق أزيز قوى فى القسم كله، وارتفع صوت الكمبيوتر الرنان، يقول : - كل شئ معد للإطلاق.. بدأ العدل التنازلى. وهنا أسرع (خالد) يلقى جسده داخل أنبوب الإطلاق، ويغلقه خلفه جيداً، وقلبه يخفق فى عنف.. كانت فكرته جنونية بالفعل.. سينطلق جسده عبر الأنبوب الدفاعى، كما لو كان قذيفة مدفع.. وهو يعتمد على فارق الوزن الكبير، بينه وبين القذيفة الفعلية.. ذلك الفارق، الذى سيجعل جسده، الأخف وزناً، ينطلق بفعل القوة الدافعة الكبيرة، ليعبر الفضاء بسرعة مذهلة، قد تتجاوز سرعة المركبة الفضائية نفسها.. ولو أنه أحسن التصويب بالفعل، فسيطلقه الأنبوب الدفاعى نحو القمر مباشرة.. نحو (بدر - 1).. ولكن الشئ الذى لم يمكنه حسابه حقاً، هو المدى الذى يمكن أن يتأثر به جسده، مع قوة الدفع الهائلة، المجهزة لإطلاق قذيفة نووية ضخمة.. إنه لا يدرى ما إذا كان جسده سيحتمل ذلك الضغط الهائل، أم.. أم أنه سيتمزَّق شر ممزِّق فى الفضاء.. وكان عليه أن ينتظر نهاية العد التنازلى ليعرف الجواب.. أو ليعرف المصير.. مصيره.. "سبعة.. ستة.. خمسة.. أربعة.. ثلاثة.. اثنان". انحبست أنفاسه مع تواصل العد التنازلى، وراح قلبه يخفق فى عنف، والصوت الآلى يبلغ الصفر، و.. وحانت اللحظة.. واشتعل جهاز الدفع بكل قوته.. واندفع جسد (خالد) عبر الأنبوب بضغط هائل، جحظت له عيناه، وانحبست معه أنفاسه بالفعل، وصرخت كل خلية من خلاياه ألماً.. ثم انطلق فى الفضاء.. ومن حوله، راحت النجوم تتحوَّل إلى خيوط لامعة مضيئة، وجسده ينطلق، وينطلق، وينطلق.. وفجأة، أظلمت الدنيا أمام عقله.. وانهار جسده.. وفقد الوعى.. فقده وهو ينطلق بسرعة مخيفة فى أعماق الفضاء.. وبلا توقُّف.. * * * امتلأ وجه (ميل) كله بابتسامة واسعة كبيرة، وهو يواصل عمله على أجهزة الكمبيوتر فى المكوك، المتصلة مباشرة ببرنامج القمر الدفاعى العسكرى (بدر - 1) وضمَّ شفتيه فى جذل، وهو يطلق من بينهما لحناً شعبياً قديماً من موطنه، وانتقلت عيناه لحظة إلى شاشة المراقبة، قبل أن يتمتم فى ثقة : - كل شئ يسير على ما يرام.. سبع عشرة دقيقة فحسب، ونمتلك هذا القمر العربى بالكامل. استمر فى عمله لدقيقة أخرى، ثم تراجع فى مقعده، يلقى نظرة إعجاب على المعادلات، التى تراصت على شاشة الكمبيوتر، وضغط زر الاتصال، قائلاً : - انتهيت من عملى أيها الزعيم. أتاه صوت (بلاك)، وهو يقول : - عظيم.. هل تخبرنى أننا سيطرنا على القمر العربى بالفعل؟ أجابه (ميل) فى استرخاء : - تقريباً.. لقد انتهيت من برنامج تغيير الشفرة، وسيواصل الكمبيوتر العمل بمفرده، وبعد أربع عشرة دقيقة، وخمسين ثانية بالضبط سيصبح القمر ملكنا تماماً بضغطة زر واحدة. مضت فترة من الصمت، قبل أن يسأله (بلاك) : - وماذا عن الموقف كله ؟ استعرض (ميل) شاشات المراقبة كلها فى سرعة، قبل أن يجيب : - كل شئ على ما يرام.. اطمئن يا زعيمى.. لن يجرؤ العرب على مهاجمتنا قط، بعد أن بلغنا هذه النقطة. أجابه (بلاك) بعد فترة أخرى من الصمت : - قلت لك : إننى لا أميل إلى استباق الأمور.. هناك مثل قديم يقول : "لا تبع فراء الدب قبل صيده". أطلق (ميل) ضحكة مرحة، وهو يقول : - اعتبر أننا قد اصطدناه بالفعل أيها الزعيم.. لقد انتهى البرنامج، وما هى إلا ثلاث عشرة دقيقة وبضع ثوان، وتنتهى المعركة كلها.. قل لى : هل أبدأ فى التصويب إلى القاعدة الفضائية العربية. قال (بلاك) فى صرامة : - ليس قبل أن تنتهى عملية البرمجة. ابتسم (ميل) فى سخرية، وهو يقول : - كما تأمر يا زعيمى.. كما تأمر. وأنهى الاتصال، وهو يغوص فى مقعده باسترخاء.. لقد أصبح العالم كله ملكاً لمنظمة (القلب الأسود)، دون أن يحتاج هذا إلا لضغطة زر.. ضغطة واحدة.. * * * فجأة، استيقظ (خالد).. استعاد وعيه دفعة واحدة، دون مقدمات، وفتح عينيه عن آخرهما، وهو يهتف : - ماذا حدث؟.. أين أنا؟! اتسعت عيناه فى شدة، عندما انتبه إلى أن جسده ينطلق بسرعة كبيرة فى الفضاء، ثم لم يلبث عقله أن استرجع الموقف كله بسرعة، فهتف، وهو يلمح القمر (بدر - 1) : ربَّاه!.. لقد نجحت الفكرة. كان جسده يندفع بسرعة نحو (بدر - 1)، وعقارب ساعته تشير إلى أنه لم يعد أمامه سوى اثنتى عشرة دقيقة فحسب.. وفى مهارة وسرعة، ضغط (خالد) أزرار جهاز الدفع الفضائى، وهو يجذب ذراعى التوجيه فى خبرة واضحة، اكتسبها مع تدريباته المكثفة، ليقلل من سرعته، ويحكم حركته واتجاهه.. كان حجمه أصغر من أن ترصده أجهزة مراقبة عسكرية، مصممة للتصدى لهجمات عنيفة، كما أن مادته البشرية لم تكن لتستثير أجهزة الرادار التقليدية(*)؛ لذا فقد شقّ طريقه فى أمان، حتى بلغ المدخل الخلفى للمكوك، وعقارب ساعته تشير إلى تسع دقائق، قبل الموعد المحدود.. وفى هدوء، عبر مدخل الطوارئ، وأغلقه خلفه فى إحكام، ثم ضغط أزرار معادلة الضغط، وهو يتطلَّع إلى ساعته فى توتر يتصاعد بسرعة، مع مضى الثوانى والدقائق، واقتراب موعد سيطرة المنظمة الإجرامية على القمر.. وخُيِّل إليه أن الدقائق تتسابق مع الثوانى، وتلتهم الوقت فى شراسة مخيفة، والساعة تشير إلى ثمانى دقائق، عندما تمت معادلة الضغط، فأسرع يتخلَّص من زيه الفضائى، ودفع الباب الداخلى، واندفع إلى داخل المكوك، و… وفجأة، ارتطم شعاع ليزرى بذراعه اليسرى، واخترقها بآلام مبرحة، ليرتطم بالباب، الذى تفجَّرت فيه دماء إصابته.. ومن بعيد، ارتفع صوت (ميل)، وهو يهتف : - لست أدرى كيف وصلت إلى هنا، ولكن حجرة الطوارئ تحوى جهاز إنذار خاص، يرشدنى إلى كل محاولة تسلل؟ تراجع (خالد) فى سرعة، متفادياً شعاع الليزر الثانى، الذى ارتطم بالباب، وانعكس عنه فى عنف، و(ميل) يستطرد: - لا فائدة.. وصولك إلى هنا لا يعنى شيئاً.. إننى أتحكَّم فى كل شئ، ولن أسمح لك بإفساد عملى قط. لهث (خالد) فى توتر، وهو يحصى الثوانى الثمينة، التى يفقدها فى مكمنه هذا، وراوده شعور بالندم، على إصراره الشديد على عدم حمل أية أسلحة، فى حين راحت ذراعه تنزف فى غزارة، فالتقط قطعة من قماش الطوارئ من حزامه، وألصقها بموضع الإصابة، وصوت (ميل) يتردَّد: - ست دقائق ونصف الدقيقة، ولا يعود لوجودك أية أهمية. قالها، وهو يتقدَّم فى حذر من حجرة الطوارئ، ومدفعه متأهِّب لسحق (خالد) فى أية لحظة تراوده فيها نفسه على مغادرتها.. وفجأة، اندفع (خالد) خارج الحجرة.. اندفع يعدو نحو الجدار المقابل لها، وكأنه يتعمَّد الارتطام به.. وبسرعة مدهشة، تليق بمحترف تلقَّى تدريبات مكثَّفة، أدار (ميل) فوهة مدفعه الليزرى نحو (خالد) وضغط الزناد ثلاث مرات.. وانطلقت خيوط الأشعة القاتلة بلا رحمة.. واخترقت الجسد الذى يعدو نحو الجدار.. بل عبرته.. التعبير الأدق هو أنها عبرته.. عبرته كما لو أنها لم تتوقَّف لحظة واحدة.. أو كما لو أنها تواصل سيرها فى الفراغ.. وفى اللحظة التى أصابت فيها خيوط الأشعة الثلاثة الجدار، اندفع (خالد) الحقيقى من الحجرة، وانقضّ على (ميل) كالصاعقة، وهو يهتف : - هذه الخطة لا تفشل أبداً.. تلاشت صورته الهولوجرافية عند الجدار، فى نفس اللحظة التى ضرب فيها المدفع فى يد (ميل)، وكال له لكمة كالقنبلة، ألقته مترين إلى الخلف، وجعلته يرتطم بالجدار، قبل أن يسقط أرضاً.. والتقى حاجبا (ميل) فى عصبية شديدة، وهو ينهض بسرعة، ويمسح خيط الدم، الذى سال من طرف شفتيه، قائلاً: - خدعة جيدة، ولكنها لا تعنى أنك ربحت المعركة. ثم انقضّ بغتة على (خالد)، وركله فى صدره فى عنف، مستطرداً : - ولا حتى جولة واحدة. دفعت الضربة (خالد) إلى الخلف وارتطم بالجدار بدوره، ثم ارتد فى مرونة، استعداداً لمواصلة القتال مع (ميل).. ولكن (ميل) لم يواصل القتال.. لقد دار على أعقابه، وانطلق يعدو بأقصى سرعته، نحو حجرة القيادة.. وبلا تردُّد انطلق (خالد) خلفه، ولكن المجرم وثب داخل الحجرة، واستدار يضغط زر إغلاق بابها فى سرعة.. وقفز (خالد) محاولاً بلوغ الباب، قبل أن يتم إغلاقه.. ونجح.. نجح فى دفع قدمه بين ضلفتى الباب، ومدَّ يده ليفتحه، و… ولكن (ميل) التقط مسدساً ليزرياً بسرعة، واستدار يصوِّبه إلى فرجة الباب، ثم أطلقه.. واخترقت هذه الطلقة فخذ (خالد) اليمنى ودفعته إلى الخلف مرغماً، فى حين واصل الباب رحلته، حتى انطبقت ضلفاته، وعزلتا (خالد) عن منطقة التحكم تماماً.. أما (ميل)، فقط انتقل لاهثاً إلى الكمبيوتر، وألقى نظرة على ساعته، ثم جلس إلى جوار الزر الصغير، وهو يقول: - خمس دقائق.. خمس دقائق فقط وينتهى كل شئ. انطلق فى هذه اللحظة أزيز جهاز الاتصال، فضغط زره، قائلاً فى عصبية : - ماذا هناك؟ أتاه صوت (بلاك)، وهو يقول : - أين كنت؟.. لقد اتصلت بك منذ دقيقة واحدة، ولم تكن هناك.. لقد أثرت قلقى. أجابه (ميل) فى توتر بالغ: - مقاتل عربى وصل إلى هنا.. إنه بالخارج، يحاول اقتحام الحجرة. هتف (بلاك) : - ماذا تقول؟!.. وكيف سمحت له بالوصول إلى المكوك ؟ صاح (ميل) : - لست أدرى كيف وصل!.. إنه هنا فحسب، ولكنه لن ينجح أبداً.. ستتم لنا السيطرة الكاملة بعد ثلاث دقائق ونصف الدقيقة.. يكفى أن أضغط بعدها الزر، فتنتقل شفرة التحكم إلينا، وينتهى كل شئ. صرخ (بلاك) فى حدة : - اضغطه الآن يا رجل.. لا تُضيِّع لحظة واحدة.. اضغطه الآن، وانقل الشفرة إلينا. ضرب (ميل) سطح الجهاز براحته، صائحاً : - مستحيل!.. لو ضغطته قبل ثانية واحدة نخسر كل شئ.. مستحيل! وتصبب على وجهه عرق بارد، على الرغم من درجة الحرارة المعتدلة، وهو يستطرد فى توتر عصبى شديد: - ولكنه لن ينجح فى اقتحام الحجرة، قبل الموعد المحدد.. لن ينجح أبداً.. أبداً. فى نفس اللحظة، التى نطق فيها هذه العبارة، كان (خالد) ينتزع سلكين من حزامه، ويوصلهما بالبطارية الصغيرة، التى تتحكم فيما يحمله من أجهزة، ثم يدفع طرفيهما الآخرين فى الفراغ الضئيل، الذى يفصل الباب عن حافته.. كان فخذه ينزف بشدة، وذراعه تصرخ بآلام لا حصر لها، ولكنه راح يعمل بسرعة، حتى لا يفقد ثانية واحدة.. وكالمعتاد، كلما احتجنا إلى عامل الوقت، راحت الدقائق تركض كالثوانى، وطرفا السلك يبحثان عن منطقة التحكم فى الباب.. ولم يعد باقياً سوى دقيقتين ونصف.. دقيقتين.. دقيقة ونصف.. ثم حدث القصور فى الدائرة.. التقى السلكان عند نقطة التحكُّم، وانطلقت شرارة كهربية صغيرة، مع طرقعة خافتة.. وانفتح الباب.. وفى هلع وسخط، استدار (ميل) إلى (خالد) صارخاً : - لا.. ليس الآن. ورفع مسدسه الليزرى نحوه، ولكن (خالد) اختطف الغطاء المعدنى المصقول للبوصلة الفضائية، واحتمى به كمجنّ قديم(*)، وهو ينقضّ على (ميل)، الذى أطلق أشعة مسدسه، فارتطمت بالمجن المصقول، وانعكست عنه فى عنف، لتصطدم بالجدار، فهتف (خالد): - ضاعت فرصتك يا رجل. وضربه بالغطاء المعدنى فى وجهه بعنف، فألقاه أرضاً، ثم أزاح الغطاء جانباً، وأمسك معصم (ميل)، ولواه فى عنف، ليجبره على إفلات المسدس، ولكن (ميل) لكمه بكل قوته، صارخاً : - لا يمكنك أن تنجح الآن. تراجع (خالد) مع الضربة، ورأى (ميل) يقفز نحوه، وعقارب الساعة الكبيرة على الجدار، تشير إلى أن الوقت المتبقى لم يعد يتجاوز الخمسين ثانية، فمال جانباً، ولكم (ميل) بكل قوته) هاتفاً : - لماذا؟.. لقد وصلت فى الوقت المناسب. احتمل (ميل) اللكمة، وضربه بقدمه فى معدته، صائحاً : - هراء. ثم دار بجسده كله فى الهواء، ليركل (خالد) فى وجهه، ولكن (خالد) استقبل ساقه بساعده، ثم ضربه فى قوة، وألقاه مترين إلى الخلف، وهو يقول : - لا تتعجل يا رجل.. المباراة لم تنته بعد. سقط (ميل) أرضاً، وتدفَّقت الدماء من أنفه فى غزارة، فتشبَّث بجهاز القيادة، ونهض قائلاً : - تتحدَّث كثيراً أيها العربى، وحديثك هذا يجعلك تنسى. ثم اندفع نحو الزر، مستطرداً فى انفعال : - تنسى أن لحظة الانتصار قد حانت. ومع اندفاعاته أشارت الساعة إلى ثلاث ثوان فحسب، قبل انتهاء عملية السيطرة، وأدرك (خالد) أن موقعه لن يتيح له بلوغ الزر قبل (ميل)، ودرس عقله الموقف كله فى ثانية واحدة، ثم وثب بكل قوته، والتقط المسدس الليزرى، الذى سقط من (ميل) ودار حول نفسه بسرعة مذهلة، وصوَّب المسدس، و.. وأطلق النار.. ودوى انفجار مكتوم داخل حجرة القيادة.. انفجار تناثرت له شظايا صغيرة فى المكان، وارتفع معه أزيز خاص، يعلن حدوث عطل مفاجئ فى كمبيوتر المكوك.. واتسعت عينا (ميل) فى ذهول مذعور.. لقد نسف (خالد) الكمبيوتر، قبل ثانية واحدة من اكتمال عملية انتقال شفرة التحكم.. نفسه وأفسد العملية كلها بضربة واحدة.. ومع لوحة الكوارتز الكبيرة، التى توقَّف العد التنازلى فيها عند ثانية واحدة، تفجَّرت ثورة غضب عارمة فى نفس (ميل)، وهو يصرخ : - لا.. مستحيل!.. مستحيل!.. مستحيل! وانقضّ على (خالد) كثور هائج.. ولكن (خالد) استقبله بلكمة كالقنبلة، وهو يقول : - تعلَّم منى درساً يا رجل. ثم كال له أخرى كالصاعقة، مضيفاً : - لا تقاتل أبداً فى ثورة. ونسف أنفه بثالثة، مع استطرادته : - فهذا يجعلك صيداً سهلاً. انهار (ميل) أرضاً، تحت قدمى البطل العربى، الذى حطَّم أنفه.. وفى هدوء، وعلى الرغم من آلامه وإصاباته، تجاوز (خالد) خصمه، وضغط زر الاتصال، وقال : - من (نسر - 7) إلى القاعدة.. عملية القمر انتهت بنجاح.. كل شئ تحت السيطرة.. لقد استعدنا (بدر - 1). وعلى الرغم من الصيحات المبهورة الظافرة، التى نقلها إليه جهاز الاتصال، استرخى (خالد) فى مقعد قيادة المكوك، وأسبل جفنيه فى ارتياح.. لقد استعاد القمر العربى.. والأمان العربى.
* * *
| |
|
| |
مدير المنتدي المدير العام
أوسمة : عدد المساهمات : 734 نقاط التقييم : 12165 تاريخ التسجيل : 13/05/2009 العمر : 38 الموقع : Sudan العمل/الترفيه : د.صيدلي
| موضوع: رد: لصوص القــــمر .. د.نبيل فاروق الخميس فبراير 16, 2012 9:35 pm | |
| الفصل الثامن : الختام : أشرق وجه قائد القوَّات بابتسامة إعجاب واضحة، وهو يمد يده ليصافح (خالد) فى حرارة، وهذا الأخير يرقد على فراشه، فى المستشفى العسكرى، وحملت لهجة القائد اعتزازه واحترامه، وهو يقول : - أحسنت يا فتى.. أحسنت كثيراً.. لقد حقَّقت انتصاراً مدهشاً، يستحق الكثير من الإعجاب والاحترام. ابتسم (خالد) وهو يقول : - أشكرك كثيراً يا سيدى.. لقد وفَّقنى الله (سبحانه وتعالى) فى مهمتى، وشاء (سبحانه) أن أربح معركتى. وافقه القائد بإيماءة من رأسه، قائلاً : - هذا صحيح.. صحيح تماماً. سأله (خالد) فى اهتمام : - سيدى.. أعلم أننا استعدنا سيطرتنا على (بدر - 1)، وأنه ينطلق الآن فى مداره، لحماية الأمة العربية كلها، ولكن ماذا عن (بلاك هارت)؟!.. هل ألقيتم القبض عليه؟ هزَّ القائد رأسه نفياً فى أسف، وهو يجيب : - هذا الرجل يتحرَّك بسرعة دائماً، فلم يكد يدرك أن عملية سرقة القمر قد فشلت، حتى اختفى تماماً.. لقد عثرنا على يخته خالياً، فى وسط البحر، والخبراء يرجحون أنه فرَّ بغواصة خاصة، ولا أحد يعلم أين ذهب. تنهَّد (خالد) قائلاً : - ياللخسارة! ابتسم رئيس المخابرات، وهو يقول : - ليس من الضرورى أن يربح المرء كل شئ. ثم ربَّت على كتف (خالد) مستطرداً : - المهم أننا استعدنا القمر.. لقد حقّّقت نجاحاً مدهشاً فى الواقع. أجابه (خالد) فى هدوء : - لولا توفيق الله (سبحانه وتعالى) لما فعلت يا سيِّدى.. كان من الممكن أن تنتهى حياتى فى مكوك الطوارئ، أو داخل محطة الفضاء (م - 9)، أو حتى عند (بدر - 1)، لولا أن شاء العلى القدير أن أربح. أومأ القائد برأسه فى إعجاب، وهو يقول مبتسماً : - عظيم يا فتى.. عظيم.. الإيمان والتواضع يرفعان قدرك أكثر. ثم عاد يصاحفه، وهو يستطرد : - هيا.. استعد حيويتك بسرعة أيها النقيب.. الوطن يحتاج بشدة إلى أمثالك. تنحنح (خالد) قائلاً : - معذرة يا سيِّدى، ولكننى أحمل رتبة ملازم أوَّل فحسب. تبادل القائد ورئيس المخابرات نظرة باسمة، قبل أن يقول الأخير : - كان هذا فى السابق أيها النقيب.. لقد حصلت على ترقية استثنائية. وأضاف القائد : - هذا أقل ما يقدِّمه لك الوطن. صافحاه مرة أخرى فى تقدير، وقال رئيس المخابرات قبل انصرافهما : - دعنى أكرِّر قول القائد.. الوطن يحتاج إليك. ابتسم (خالد) فى ارتياح، بعد أن أصبح وحيداً فى حجرته، وأسبل جفنيه فى استرخاء، وهو يستعيد ذكريات عملية القمر.. تلك العملية التى حملت شهادة ميلاد جديدة، فى عالم البطولة والفداء.. ميلاد الرجل.. رجل المستقبل.
* * * تمت بحمد الله
| |
|
| |
| لصوص القــــمر .. د.نبيل فاروق | |
|