الفصل الأوَّل
هدوء مهيب، ساد تلك البقعة، من صحراء (سيبيريا) الجليدية، فى تلك الفترة من منتصف الشتاء، حيث تنخفض درجات البرودة، إلى مايقرب من ثلاثين درجة تحت الصفر، وبدت المنطقة كلها ساكنة، يمتد الجليد فيها إلى مدى البصر، وتتناثر عبرها مجموعة من الأشجار الطويلة، القادرة على الحياة فى هذا الصقيع، الذى تتجمّد معه الأنامل، وتنحبس فيه الأنفاس، حتى صار المكان كله أشبه بلوحة قاسية، من فن عصور النهضة الأوروبية ...
ثم، وبلا مقدمات، تعالى ذلك الهدير من بعيد ...
ورويدا رويدا، راح ذلك الهدير يعلو ويعلو ...
ثم ظهر مصدره ..
عبر ثلوج (سيبريا)، انطلقت هليوكوبتر قوية، على ارتفاع منخفض، تشق الهواء البارد، فى خط متعَّرج، تعمَّده قائدها؛ للإفلات من شبكات الرادار، المنتشرة فى المنطقة، وهو يتجه بركَّابه الخمسة، نحو بقعة، بدت خالية تماما من أية حياة ...
حتى تلك المخلوقات الصغيرة، التى اعتادت العيش وسط الثلوج ...
وداخل الهليوكوبتر، استقر أربعة رجال ضخام الجثة، مفتولى العضلات، لهم ملامح قاسية خشنة، فى صمت مهيب، تناسب على نحو مدهش، مع حللهم السوداء، وأربطة أعناقهم، التى حملت كلها شعارا عجيبا ...
شعار يشبه حرفا انجليزيا، شكَّل هيئة أفعى، تلتف حول نفسها، وترفع رأسها فى تحفَّز...
وفى صرامة واضحة، وفى تعارض واضح مع ضخامة العمالقة الأربعة، جلست حسناء شقراء فى المقدَّمة، إلى جوار الطيَّار، وهى تمسك بين أصابعها الدقيقة سيجارة رفيعة، ينبعث منها خيط من الدخان، بدا من الواضح أنه يثير ضيق طيَّار الهليوكوبتر، إلا أنه لم يعترض أو يحاول الاعتراض، مما أوحى بقوة وصرامة تلك الشقراء، التى تناقضت ملامحها شديدة الحسن، مع الصرامة التى انحفرت فى قسماتها، ومنحتها هيئة زعامية مهيبة، تجلَّت أكثر فى صوتها، وهى تشير بسيجارتها إلى تلك المنطقة الخالية، قائلة فى اقتضاب صارم :
- هنا .
لم يدر الطيّار ماذا يميّز تلك البقعة عن غيرها، إلا أنه أطاع الأمر، ومال بالهليوكوبتر، نحو البقعة التى أشارت إليها، وارتفع حاجباه فى دهشة كبيرة، عندما انتبه فجأة إلى ثلاثة من الرجال، فى معاطف سميكة من الفراء الأبيض، لم يمكنه تمييزهم من عل، وكانت نظرات تشف عن أنهم كانوا فى انتظار مقدم الهليوكوبتر، التى لم تكد تستقر، على قيد أمتار قليلة منهم، حتى تقدّم نحوها أحدهم، ومد يده قائلا بالروسية، فى احترام واضح :
- سيَّدة (سونيا) ... قلقنا كثيرا؛ عندما تأخَّرت عن موعدك .
غادرت (سونيا جرهام) الهليوكوبتر فى هدوء، ولحق بها عمالقتها الأربعة، يحيطون بها فى سرعة، شفَّت عن وظيفتهم كحرس خاص، وظلَّت على برودها الصارم، وهى تجيب الرجل، الذى يحمل وجها أشبه بوجه فأر قطبى، متجاهلة يده الممدودة إليها :
- كان علَّى أن أطمئن إلى إجراءات الأمن أوّلا .
ارتسمت ابتسامة باهتة على وجه الرجل، وهو يعيد يده إلى جواره، قائلا:
- هذا حقك.
ظلَّ قائد الهليوكوبتر فى مكانة، خلف عصا القيادة، فى حين قاد وجه الفأر الباقين إلى مبنى صغير للغاية، له سقف يتجاوز مساحة سطحة، وتكسوه الثلوج فى كثافة، على نحو كفيل بإخفائه عن الأنظار، وتجاوز الرجلين الآخرين، على نحو يوحى بضآلة شأنهما، وهو يقول فى برود :
- سيروق لك ذلك الكشف الجديد، الذى أخبرتك عنه للغاية ... هذا لأنه سيقلب موازين التسليح، فى العالم كله ... لن تعود هناك حاجة بعده لأسلحة ضخمة، أو معدات حربية ثقيلة .
تمتمت (سونيا) فى اهتمام، حاولت أن تخفيه، خلف نبرة لامبالية، وهى تتجاوز معه مدخل ذلك المبنى الصغير :
- حقا؟!..
كانت هناك لافتة كبيرة فى المدخل، تحظر التدخين داخله، إلا أنها تجاهلتها تماما، ونفثت دخان سيجارتها الرفيعة فى عمق، ولم يحاول وجه الفأر الاعتراض على هذا، وهو يقودها ورجالها إلى مصعد كبير، قائلا بنفس البرود الروسى المستفز:
- لقد استغرق الامر منا ما يقرب من عام كامل، من التجارب والأبحاث، قبل أن نتوصَّل إلى هذه المادة، ولكنك سترين الآن كيف أنها تستحق كل دولار نطلبه .
نفثت دخان سيجارتها مرة أخرى، وهى تغمغم فى صرامة، توارى خلفها اهتمامها :
- سنرى .
ثم ألقت بقايا سيجارتها فى ركن المصعد، فى لامبالاة كاملة، فى نفس الوقت الذى ضغط فيه وجه الفأر زرا يحمل الرقم (خمسة)، فبدأ المصعد كله بالهبوط إلى أسفل، وهو يقول، فى شئ من الزهو:
- هذا المكان كان ملكا للمخابرات السوفيتية، قبل سقوط الاتحاد السوفيتى، وكان يعد أحد أهم واخطر أسرارها، ولكننا دمَّرنا كل الوثائق الخاصة به، ولم يعد هناك من يدرك وجوده الآن سوانا .
مطَّت شفتيها الجميلتين، دون أى تعليق، وبدت ضجرة إلى حد ما، حتى استقر المصعد فى الطابق الخامس تحت الأرض، فقال وجه الفأر فى حزم :
- وصلنا .
انفتح باب المصعد، ليكشف معملا حديثا، انتشرت فيه العديد من الأجهزة المتطوَّرة، تاركة مساحة كبيرة فى نهايته، تخلو من أى شئ، على نحو جعل من الواضح أنها تستخدم لاختبارات ما، وظهر عدد من الرجال، فى معاطف بيضاء، يتحركون هنا وهناك، وكلهم التفتوا إلى باب المصعد، عندما غادرته (سونيا) مع رجالها، يتقدَّمهم وجه الفأر، الذى اتجه بهم مباشرة نحو المساحة الخالية، وهو يقول:
- سنجرى تجربة فورية، تثبت قوة و فاعلية المادة الجديدة.
وبإشارة من يده، هرع إليه أحد أصحاب المعاطف البيضاء، وناوله، فى حرص بالغ، قنينة بالغة الصغر، تحوى قطرات قليلة، من سائل شبه شفاف، يميل إلى الزرقة، فرفع القنينة أمام وجه (سونيا)، قائلا:
- هاهوذا.
تطلّعت (سونيا) إلى القنينة الصغيرة فى استنكار، مغمغمة فى ازدراء:
- هذه ؟!..
ابتسم الرجل ابتسامة، جعلته أكثر شبها بوجه الفأر، وهو يقول:
- كم ستسعدنى رؤية تعبرات وجهك الفاتن،؛ عندما تدركين تأثير تلك القطرات الصغيرة
مد يده نحو أحد رجاله، فأسرع يناوله هاتفا خلويا صغيرا، حمله مع القنينة، إلى منتصف المساحة الخالية، وهو يشير إليها ورجالها بالانتظارفى موضعهم، وانعقد حاجبا سونيا الجميلين، وهى تراقبه يضع القنينة على الأرض فى حرص، ثم يضع الهاتف الخلوى بالقرب منها، ويعود إليهم قائلا :
- الافضل أن تتراجعوا جميعا .
تراجعوا بضع خطوات، وأشار هو بيده، فهبط حاجز من زجاج مقاوم للانفجار، يحول بينهم وبين تلك القنينة الصغيرة والهاتف الخلوى، وبدت على شفتى وجه الفأر ابتسامة باهتة، وهو يقول، مخرجا هاتفه الخلوى الخاص:
- الآن سترون .
ضغط أزرار هاتفه فى سرعة، فارتفع رنين ذلك الهاتف الآخر، الذى تركه إلى جوار القنينة الصغيرة، و ..
ودوى الانفجار ...
ولدهشة (سونيا) ورجالها، كان انفجارا شديد العنف، نسبة إلى حجم القنينة شديدة الصغر، حتى أنه فاق بألف ضعف على الأقل، ما يمكن أن تحدثه كمية مماثلة من (النيتروجلسرين)، وتسبّب فى شروخ واضحة، فى الزجاج المقاوم للانفجارات !!...
وقبل حتى أن ينحسر دوى الانفجار، قال وجه الفأر فى فى جذل لم يحاول إخفاءه:
- هذا هو الانفعال الذى توقّعته ؟!
بذلت (سونيا) جهدا حقيقيا؛ للسيطرة على انفعالها، واستعادة برودها الظاهرى، وهى تشعل سيجارة جديدة، بأصابع لم تنجح فى منع ارتجافتها، وهى تتساءل:
- كيف يمكن لقطرات صغيرة أن تصنع هذا ؟!
أجاب فى زهو واضح:
- ماشاهدته هو نتاج عامين من العمل الشاق، حتى أمكن لفريق علماء، من أكثر العقول الروسية عبقرية، التوصّل إلى ابتكار هذا السائل، الذى يحوى كل هذه الطاقة، ويعانى من حالة عدم استقرار فى الوقت ذاته، حتى أن رنين هاتف خلوى إلى جواره، يكفى لفقدانه تماسكه، فتتفجّر كل الطاقة الكامنة فيه، ويطلق الحجم الواحد منه مايزيد عن مائتى ألف ضعف ... قارنى هذا بالبارود اللادخانى، الذى يطلق الحجم الواحد منه تسعمائة ضعف، و...
قاطعته، وهى تنفث دخان سيجارتها الرفيعة فى عصبية أفلتت منها:
- كم لديك من هذا السائل ؟!..
أجاب وجه الفأر فى حماس:
- ما رأيته الآن نتاج قطرتين منه فحسب، ولكننا منه مايقرب من مائة سنتى لتر، حتى هذه اللحظة، أى مايفوق تأثيره ثلاث قنابل نووية شديدة التدمير.
انعقد حاجباها فى شدة، مع هذه المعلومة الرهيبة، وراح عقلها يعمل بسرعة الصاروخ ....
إنه بالفعل سلاح جبَّار ..
سلاح سيقود العالم كله إلى مرحلة جديدة، تفوق ما فعلته القنبلة الذرية الأولى، فى نهاية الحرب العالمية الثانية ...
والاهم إنه سلاح يستحيل كشف أمره، ومن السهل نقله، من مكان إلى آخر ...
تألقت عيناها، وهى تحاول ان تتخيَّل تلك القوة الهائلة، التى سيحظى بها أى كيان، يمتلك مثل هذا السلاح الجبار، الذى تكفى قطرات منه، لمحو مدينة كاملة من الوجود ...
ألقت سيجارتها نصف المشتعلة، وهى تسأل وجه الفأر، فى لهجة حاولت ألا تحشد فيها ذلك الانفعال الجارف فى اعماقها :
- ورنين الهاتف الخلوى ضرورى ؟!
أجابها فى سرعة وحزم :
- إنه ملائم تماما؛ لدفع المادة إلى حالة عدم الاستقرار .
أشعلت سيجارة اخرى، دون أن تنتبه إلى انها لم تكمل السابقة، وهى تغمغم :
- إذن فيكفى أن تضع تلك المادة فى مكان ما، وإلى جوارها هاتف خلوى، ثم تطلب رقم ذلك الهاتف، وعندما ينطلق الرنين...
قاطعها وجه الفأر فى حسم، وهو يحرَّك يديه فى الهواء فى حركة مسرحية :
- وبوم .... يحدث الانفجار .
عادت عيناها تتألقان مرة أخرى، وهى تنفث دخان سيجارتها فى شراهة ...
رنين هاتف يكفى للتفجير ...
ومن اى مكان فى العالم ...
ياله من سلاح جبَّار بحق !!...
التقطت نفسا عميقا ؛ فى محاولة لتهدئة انفعالها، وهى تسأله :
- وكم تطلبون ثمنا لهذا ؟!
سالها فى اهتمام :
- ما الكمية التى تريدينها ؟!
أشارت بسبَّابتها، مجيبة فى حزم :
- كل الكمية المتاحة .
ارتفع حاجباه فى دهشة، قبل أن يجيب بابتسامة صفراء:
- ما انتجناه حتى الآن يساوى عشرة مليارات من الدولارات، وهو ثمن بخس، مقابل القوة التى يمنحها .
صمتت لحظات، ثم اجابت فى حسم :
- فليكن .... أريد كل ما أنتجتموه حتى الآن .
برقت عيناه وهو يسألها :
- وكيف سنتقاضى الثمن ؟!
أجابته فى حزم :
- نقدا ... ولكنك ستحتاج إلى مخزن كبير ؛ لتخزين كل هذه الكمية من الأوراق الخضراء .
قال بابتسامة باردة:
- لا تقلقى نفسك بهذا الأمر يا سيَّدتى ... اخبرينى فقط متى وكيف نحصل عليها ؟!
صمتت (سونيا) لحظات، لتدير الأمر فى رأسها، ثم أجابت فى حزم :
- عندما أتيقن من أن الكمية متاحة فعليا .
هتف :
- إنها متاحة على الفور ... إننا نحفظها فى خزانة خاصة، بعيدا عن أية تردَّدات .
سألت فى خبث حذر:
- مثل تردّد دوى الرصاصات ؟!
هزَّ رأسه نفيا، وهو يجيب فى حزم :
- دوى الرصاصات لا يؤدى إلى فك تماسكها .... لابد من تردَّد رقمى، على مسافة قريبة .
سحبت نفسا عميقا من سيجارتها، ونفثته فى الهواء فى قوة، متجاهلة لافتة منع التدخين الكبيرة فى مواجهتها مباشرة، وسألته :
- وأين تلك الخزانة ؟!
ابتسم فى خبث، مجيبا :
- أيا كان موضعها، فهى خزانة قوية منيعة ... ولا يعلم شفرتها سواى .
سحبت نفسا آخر من سيجارتها، وسألته فى اهتمام :
- ومن أدرانى أنك لن تنتج كمية أخرى لمشتر آخر، أو أنك لا تمتلك سوى هذه الكمية فحسب ؟!
شد قامته، وهو يجيب فى صرامة :
- لا توجد أية ضمانات يا فاتنتى، إنه سوق مفتوح ... إلا لو قررت شراء كل ما ننتجه، وفى هذه الحالة، قد تحصلين على خصم خاص .
وابتسم ابتسامة لزجة واثقة، وهو يضيف فى صرامة:
- وعلى حق حصرى أيضا
سحبت أخر أنفاس سيجارتها، ثم ألقتها بعيدا، وهى تقول، فى صرامة تفوق صرامته :
- عندى ضمانة أفضل .
قالتها، ورفعت سبَّابتها أمام وجهها، ثم جذبت وجه الفأر إليها، فى حركة مباغتة سريعة ...
وفور ارتفاع سبَّابتها، سحب عمالقتها الأربعة أسلحة خفية من ثيابهم ...
وبدأت مذبحة بشعة ...
أطلقوا النار على كل شئ ...
بلا رحمة ...
وبلا أى استثناء ....
على كل بشرى فى المكان، باستثناء وجه الفأر، الذى قبضت (سونيا) على عنقه فى شدة ...
وعلى الأجهزة ...
والمعدات ...
وحتى اثاث القاعة ...
وإثر دوى الرصاصات، اندفع طاقم الحراسة إلى المكان، وبدأت عملية إطلاق نيران متبادلة، بمنتهى العنف ...
وفى قوة، لا تتناسب مع جمالها الفاتن، سحبت (سونيا) وجه الفأر خلف حاجز معدنى، ثم ضغطت زرا فى خاتمها الماسى، فبرزت من قاعدته إبرة رفيعة، ووضعتها على عنقه، وهى تقول فى وحشية عجيبة :
- لو أنك حاولت حتى أن تتنفس، سأغرس هذه الأبرة، بما عليها من سم شرقى زعاف، فى عنقك الرفيع هذا، ولذى يستفزنى، منذ وصلت إلى هنا .
هتف الرجل فى ارتياع :
- ولكن لماذا؟!... إنك تفسدين عمل عامين كاملين !.. كان يمكنك الحصول على قوة هائلة .
أجابته فى شراسة، وهى تقبض على عنقه اكثر :
- وكان يمكن لغيرى أيضا الحصول عليها، وانا مصابة بمشكلة اجتماعية خطيرة، تنحصر فى مبدأ :" الكل أو لا شئ "....
كان دوى الرصاصات يهدأ، معلنا نهاية القتال، وهو يقول فى عصبية :
- ولكنك لن تحصلى على شئ .... الخزانة مجهَّزة، بحيث تطلق تردَّدات رقمية، تكفى لزعزعة استقرار السائل داخلها، عند أية محاولة لفتحها بالقوة، وانا أفضل الموت، على ان أخبرك سر شفرتها .
أطلقت ضحكة وحشية، وهى تقول:
- الموت لا يخيف أمثالك، ولكن لدى سبل أخرى، قادرة على حل عقدة لسانك .
توقف دوى الرصاصات، فرفعت رأسها فوق الحاجز، وشاهدت نتيجة المذبحة الرهيبة، التى خسرت فيها اثنين من رجالها، قبل أن يسيطر الآخرين على الموقف كله، ثم ابتسمت فى ظفر، وأحدهما يقول فى حزم، خال من أية مشاعر :
- المكان لنا أيتها الزعيمة .
دفعت إليه وجه الفأر، وهى تقول فى صرامة مخيفة :
- خذ هذا ... أريدك أن تقطع قطعة من جسده، كل دقيقة، وان تحرص على أن يكون هذا شديد الإيلام، حتى يستعيد عقله صفاءه، ويخبرنى بما أريد .
اتسعت عينا وجه الفأر فى رعب، وخاصة عندما أخرج كل من الرجلين مدية حادة من طيات ثيابه، وأمسكا به، بنفس الوجوه الباردة، الخالية من أية انفعالات أو مشاعر ...
وطوال ما يقرب من دقائق سبع، ارتفعت صرخات وجه الفأر، حاملة مزيجا من الرعب والألم الشديدين، وتناثرت الدماء من جسده على نحو مخيف، فى حين ظلَّت (سونيا) تراقبه فى هدوء، وهى تنفث دخان سيجارتها فى استمتاع ...
بعدها، ساد صمت رهيب لخمس دقائق أخرى، تلاها دوى رصاصة منفردة، قبل أن تخرج (سونيا) من ذلك المبنى القصير، وتتجه نحو الهليوكوبترفى خطوات هادئة واثقة، وخلفها الرجلان، يحمل أحدهما صندوقا صغيرا من الرصاص، مغلق فى إحكام ...
ودون أن يجرؤ طيّار الهليوكوبتر على النطق بحرف واح، أو السؤال عن مصير العملاقين، اللذين تخلفا فى الداخل، أدار محركات الطائرة المروحية، وانتظر حتى استقرّت سونيا إلى جواره، وأشعلت سيجارتها التى تزعجه، وهى تقول فى صرامة:
- هيا.
وعندما ارتفعت بهم الهليوكوبتر، مبتعدة عن المكان، دوى وسط ثلوج (سيبريا) انفجار عنيف، وارتفعت من المكان ألسنة عالية من النيران، ثم عادت الامور تهدأ، والهليوكوبتر تبتعد ...
وتبتعد ...
وتبتعد .
* * *