(7) الختام :
بدا وكأن الزمن قد توقف تماما . .
الصمت والذهول يسيطران علي أغلب من كان بالغرفة والنصيب الأعظم كان من جانب (الزعيم) و رقم (2) . . النقيب (أكرم) ، (محمد) وأفراد الشرطة المرافق لهما . .
لم يكن أحد يتوقع وجود (غولين) دفعة واحدة . .
حاول (الزعيم) أن يتحدث ولكن هول الصدمة جعل حلقه أشبه بصحراء قاحلة فخرج صوته متحشرجا مبحوحا وهو يحدق في (الغولين) قائلا بذهول :
" ما معني هذا العبث ؟! " . .
كسر حديثه هذا حالة الصمت التي كانت مسيطرة علي الغرفة . .
عقد النقيب (أكرم) حاجبيه وهو ينظر حوله قبل أن يقول متوترا :
" هل لكم أن تفسرون لي ما يحدث ؟! " . .
ثم أشار لرقم (2) قائلا بحزم :
" من أنت ؟! . . ومن أين جئت بهذا المدفع الآلي ؟! . . ومن هذا الشخص الذي يرافقك ؟! " . .
نظر رقم (2) ل (الزعيم) الذي قال له بصرامة وهو يرمقه بنظرة مخيفه تجمد الدماء في العروق :
" إياك أن تنطق بكلمة واحدة وإلا جعلت منك عبرة لمن لا يعتبر وأنت تعلم أنني أنفذ ما أقول " . .
قال النقيب (أكرم) بصرامة وهو يشير لرقم (2) بيده :
" قل ولا تخف منه فهذا سيحسن موقفك كثيرا وسأشهد بتعاونك أمام المحكمة . . نحن نسيطر علي الموقف كما تري " . .
ازدرد رقم (2) لعابه بصعوبة وهو يختلس النظر ل (الزعيم) قبل أن يحسم تردده ويقول بخفوت :
" هذا الشخص هو (الزعيم) والأب الروحي لعصابة قوية وأنا مساعده ويده اليمني ويرمز لي برقم (2) ونحن نقوم ب.... " . .
لم يتسن له إكمال اعترافه فقد تحرك (الزعيم) من مكانه فجأة وسحب خنجرا كان يخفيه في طيات ملابسه وأغمده حتى مقبضه في قلب رقم (2) الذي شهق بقوة ثم سقط صريعا في الحال والدماء تتدفق بغزارة من جرحه وفمه . .
انقض النقيب (أكرم) علي (الزعيم) بغضب وكال له لكمة قوية في فكه ألقته أرضا قبل أن يقول له بحنق :
" لماذا قتلته أيها المجرم ؟! . . لقد تضاعفت تهمتك بفعلتك الحقيرة هذه " . .
نهض (الزعيم) من سقطته ومسح خيطا من الدماء كان يسيل من فمه قبل أن يقول بازدراء :
" كاد ذلك الخائن أن يكشف سرا ظل مخفيا لأكثر من ربع قرن ولذلك كان لابد من قتله " . .
قال له النقيب (أكرم) بسخرية مريرة :
" وهل تظن أن سرك الخطير هذا سيظل مخفيا بعد وقوعك في قبضة العدالة ؟! . . إذن فأنت واهم . . فلدينا من الأساليب ما سيعجبك ويجعلك تحكي قصة حياتك بكل تفاصيلها " . .
ابتسم (الزعيم) باستهتار وهو يرمقه بنظرة متحدية قبل أن يقول ساخرا :
" حاول وستخسر بكل تأكيد " . .
بادله النقيب (أكرم) نفس النظرة المتحدية قبل أن يقول بلهجة واثقة :
" سنري من منا سيخسر " . .
ثم تابع وهو يشير ل (الغولين) :
" خصوصا لو اعترف زميلاك هذان وأنا مازلت عند وعدي بأن أشهد لصالح من يعترف وسأعمل علي أن يخفف الحكم الصادر بحقه " . .
نظر (الزعيم) ل (الغولين) قبل أن يقول ببرود :
" زميلاي ؟! . . لست أعتقد أننا قد درسنا سويا من قبل " . .
قال النقيب (أكرم) ببرود مماثل وهو يرفع أحد حاجبيه في سخرية :
" هل ستنكر معرفتك بهما الآن ؟! . . أليس هما من قتلا أحد سكان القرية وقاما بتهريب (الهيروين) النقي داخل جثته مستغلان انتشار خرافة (الغول) داخل عقول أهل هذه القرية ؟! . . لقد كانت خطة شيطانية تدل علي ذكاء وعبقرية واضعها . . ولم يكشفها سوي عدم انتباه أحدهما لتسرب بعض هذا (الهيروين) وامتزاجه بدم الضحية الذي سال أثناء عبوره متنكرا في هيئة (الغول) وصادف مرور هذا الشاب الذي تغلب فضوله علي خوفه فأخذ عينة كشفت كل شيء وأوقعتكم في أيدينا . . كان يجب أن تعلموا أن الجريمة لا تفيد وأن المجرم لابد وأن ينكشف أمره ولو طال الزمن " . .
صفق (الزعيم) بيديه قائلا بسخرية لاذعة :
" رائع أيها النقيب لقد استمتعت حقا بهذه القصة الطريفة " . .
قال النقيب (أكرم) بحدة :
" عن أي قصة طريفة تتحدث ؟! . . إنها حقيقية ولها ما يؤيدها من أدلة ولم يتبق سوي اعترافك واعتراف هذين المجرمين " . .
قال (الزعيم) باستنكار هذه المرة :
" حقيقية ؟! . . هذه القصة التي ذكرتها تدل علي مدي ما يتمتع به مؤلفها من خيال خصب وتصلح لعمل فيلم سينمائي " . .
ثم أشار ل (الغولين) قائلا بحدة :
" ثم إنني لا أعرف أيا من هذين المخبولين ولم ألتق بهما سوي الليلة فقط . . وأظن أنكم قد سمعتم صوت طلقات نارية كان من المفروض أن تقتل هذا الأحمق الذي وجدتموه معنا لكنه كان محظوظا فاستطاع تفاديها بمرونة والنجاة بنفسه . . وكاد أن يقتلنا بمخالبه الحادة لولا تدخلكم في اللحظة الأخيرة وسيطرتكم علي الأمور " . .
انبعث أزيز متقطع من جهاز اللاسلكي الذي كان يحمله النقيب (أكرم) فقام بوضعه علي أذنه وتلقي عبره محادثة من إحدى دوريات المراقبة كان الواضح أنها تحمل أخبارا خطيرة إذ انعقد حاجباه بشدة أثناءها قبل أن ينهي المكالمة ويقول بانفعال :
" خبر عاجل أعتقد أنه سيهمكم معرفته فقد تم منذ لحظات إلقاء القبض علي أحد الأشخاص وهو يعبر ضفة النيل متجها نحو منطقة الحقول . . وعندما تم تفتيشه وجد بحوزته كمية كبيرة من (الهيروين) النقي الذي كان يخفيه تحت كرش صناعي يماثل لون بطنه . . وقد اعترف فورا وأرشد عن بقية شركائه . . وأبلغ عن وجود وكر سري بمكان ما في هذه القرية يتخذه زعيم العصابة مقرا له " . .
انعقد حاجبا (الزعيم) وهو يكور قبضته بغضب قبل أن يقول ساخطا :
" اللعنة !! . . لقد سقط رقم (3) الأحمق وسقطت بسبب غبائه شبكة كاملة من المحترفين ظلت تعمل قرابة ربع القرن دون أن ينكشف أمرها . . وكل هذا نتيجة خطأ رقم (3) السابق الذي لو كان حريصا بما يكفي وانتبه لذلك التسريب لما وجدت نفسي بهذا الموقف السخيف " . .
خيم صمت مهيب علي الجميع وهم يحدقون ببعضهم البعض . .
ثم قال (محمد) بحيرة :
" إن كان قد تم القبض علي جميع أفراد عصابتك ولم يكون هذان (الغولان) معك فمن هما ؟! . . وما الذي جاء بأحدهما لهذا الوكر ودفع الآخر لمهاجمتي ؟! . . وما تفسير اختلاط كتل (الهيروين) بدماء الضحية التي كان يحملها أحد هذين (الغولين) ؟! " . .
ساد الصمت للحظات قبل أن يقول (الغول) السليم بهدوء :
" بخصوص وجودي هنا فقد جئت لتنفيذ مهمة محدودة وهي هذه " . .
فهم النقيب (أكرم) ما الذي يعنيه بقوله هذا وحاول التدخل ولكن (الغول) كان أسرع منه وأقرب . .
وفي لحظة كان (الزعيم) يشهق بقوة ثم يسقط صريعا في الحال والدماء تتدفق بغزارة من عنقه الذي اخترقته مخالب (الغول) الحادة وقطعت أوردته الودجية . .
سيطر النقيب (أكرم) علي أعصابه بصعوبة ورغبة جارفة بإطلاق النار علي (الغول) تلح عليه . .
ثم أشار لرجاله بتكبيل (الغولين) ونزع قناعيهما . . وقال بغضب ل (الغول) السليم وهو يشير بيده لجثة (الزعيم) :
" لماذا قتلته ؟! ومن أنتما ؟! وإلي أي جهة تنتميان ؟! . . أجبني بصدق وإلا أقسم أن أجعلك تتمني الموت ألف مرة حتى ترتاح من العذاب الذي ستقاسيه " . .
قال (الغول) السليم ببرود وهو يشير لزميله المصاب والذي كان قد فقد وعيه نتيجة نزفه الكثير :
" نحن ننتمي لمنظمة ضخمة تتاجر في الأعضاء البشرية . . وقد كانت مهمتنا تنحصر بالتنكر في زى (غول) لعلمنا بانتشار هذه الأسطورة ورسوخها وكنا نقوم بخطف بعض أهل القرية والقرى المجاورة ونقوم بقتلهم وبيع أعضائهم كما كنا أحيانا نقوم بتمزيق بعض الجثث بواسطة هذه المخالب الحادة حتى تبدو وكأن شيئا ما قد قام بنهشها مما يدعم الأسطورة ويتيح لنا حرية أكبر في الحركة والتجوال ولقد كانت تجارتنا رابحة جدا والأعضاء التي نقو ببيعها ذات جودة ممتازة . . حتى انتشرت سموم هذا (الزعيم) وعصابته . . فتأثرت حالة أعضاء متعاطيها وانعكس هذا سلبا علي جودتها فكسدت تجارتنا لذا كان لابد من إزاحتهم " . .
توقف لالتقاط أنفاسه قبل أن يواصل قائلا :
" كنا نراقب خط سير أحد رجالهم وعندما رأينا التسريب الذي حدث منه قمت بالسير في نفس اتجاهه وأنا أحمل جثة طازجة وحرصت بقدر الإمكان أن تسيل دماؤها فوق كتل (الهيروين) وبذلك أكون قد أبعدت نظر الشرطة عن تجارتنا وكشفت أمر عمليات (الهيروين) وبذلك نتخلص من هذه العصابة ويعود نشاطنا من جديد . . ولكن حين وجدنا أن الشرطة لم تتوصل لشيء اتخذنا قرارا بتصفية (الزعيم) وجميع أفراد عصابته فتوليت أنا أمر الوكر السري وتركت زميلي هذا ليتولي أمر باقي الشبكة . . وقد كان ما أردنا وتمت إزاحة هذه العصابة وللأبد " . .
اتسعت عينا (محمد) والنقيب (أكرم) في ذهول وهذا الأخير يقول بانفعال :
" سقوط عصابة لتهريب (الهيروين) وأخري تتاجر في الأعضاء البشرية في وقت واحد !! . . إنها قضية القرن " . .
ثم أشار لرجاله قائلا بحزم :
" خذوا هذان المجرمان وضعوهما في العربة ولا تنسوا أخذ الجثث للمشرحة حتى يخرج تقرير الطب الشرعي بسرعة وتكتمل أركان هذه القضية " . .
ثم التفت نحو (محمد) قائلا بحزم وهو يمسكه من يده :
" هيا معي للقسم فأمامنا عمل كثير لننجزه سويا " . .
وانطلق الجميع وسط الظلام الدامس . .
تمت بحمد الله وفضله . .