أول سؤال تتفتح عليه عيوننا، في لحظات الصبا الأولى..
ما هو الحب؟
ما طبيعته؟
وماهيته؟
وحدوده؟
ومع أول خفقة حب في قلوبنا، ننسى كل هذا..
ونحب..
فقط نحب..
فالحب أشبه بنسيم دافئ، في يوم بارد، قارس البرودة، ما أن يشعر به جسدك، وينبض به قلبك، حتى ينتعش كيانك كله، وتتغير كيماوية مشاعرك في لحظة واحدة، وتغرق حتى قمة رأسك، في بحر من العواطف، لم تكن تتصور حتى وجوده في أعماقك..
فقديمًا كانت لديك معارف..
وصداقات..
وزمالات..
وجيران..
وأقارب..
وأسرة..
ثم فجأة أضيف إلى القائمة ضيف جديد..
حبيب..
شخص ما، لا تكاد تراه، حتى لا يكتفي قلبك بالخفقان، والرقص بين الضلوع، وإنما ينقل نبضاته وخفقاته إلى كل عرق وشريان في جسدك..
بل وكل ذرة في كيانك..
وعندما تتطلع إلى وجهه وعينيه، تتمنى لو أنه بحر، وأنك سمكة تعيش فيه إلى الأبد، وتحيا وتتنفس من أعماقه..
ولن تمل النظر إليه قط..
وستأمل لو أن عينيك قد التصقتا به، وانتقلتا إليه، وأصبح بإمكانهما أن يتابعاه في روحه وغدوه، وليله ونهاره، وصعوده وهبوطه..
وعندما يغيب عن بصرك، ستعدو روحك خلفه وتلهث وراءه، وتترك جسدك دون استئذان، لتلقى نفسها بين ذراعي ظله..
وعندما يختفي من أمام بصرك، سيولد مرة أخرى في عقلك..
في خيالك..
في كيانك..
في وجدانك كله..
ستراه داخلك في كل لحظة، وتشم رائحته في كل مكان، وتشعر بوجوده في كل موقف..
حتى أحلامك، ستحوم كلها حوله، معبرة عن شوقك إليه، ولهفتك عليه، وأملك في أن تصحو، لتراه أمام عينيك..
وإذا ما لمسته يومًا، فستشعر وكأن هذه اللمسة قد أطلقت في جسدك تيارًا كهربيًا ناعمًا رقيقًا، ولكن قوته تكفي لإنارة ألف مدينة، لألف ألف عام..
وسيسرى هذا التيار في جسدك طويلاً..
طويلاً جدًا..
وسيضيء نفسك..
وقلبك..
ومشاعرك..
النور سيغمر كيانك، حتى ولو كنت في قلب الظلام وأعماقه..
وقلبك سيشتعل بشعور مبهر..
جسدك كله سينطلق بنشاط لم تعرفه في حياتك أبدًا..
ولن تنسى هذه اللمسة أبدًا..
ستحتضنها أطرافك العصبية، وتختزلها..
وتدمنها..
دومًا ستتمنى أن تحظى بها ثانية..
وأبدًا ستحفرها في عقلك..
ولفترة طويلة ستقدس موضوع تلامسكما، وتعشقه وتغمره بعواطفك وقبلاتك وحنانك..
أما كلمات من تحب، فستبدو لأذنيك كأجمل وأعذب موسيقى، في الكون كله..
لحنها سيثب من أذنيك إلى قلبك مباشرة، وستشعر به يرقص على أجمل سيمفونية في الوجود..
سيمفونية لم يملها كيانك قط..
وسيظل يعزفها أبد الدهر..
سيمفونية يقودها قلبك، ويعزفها أوركسترا خلاياك كلها..
إلى أبد الآبدين..
أما ابتسامة الحبيب، فهي دنيا ما بعدها دنيا..
هي أجمل مشهد تراه عيناك..
وأعظم لحظة يعيشها بصرك..
وأكبر متعة تحظى بها مشاعرك..
وأسعد لحظة يعيشها كيانك..
ابتسامته هي ابتسامة الدنيا في نظرك..
هي ضحكة الكون..
وفرحة العمر..
وأمل كل يوم..
بل هي هدف، ستسعى إليه منذ تفتح عينيك في الصباح، وحتى تغلقهما في الليل..
وحلم إما أن تراه، أو تتمنى رؤيته طوال الوقت..
أما لو بكى من تحب، فستشعر بقلبك يبكى معه..
يبكى دمًا..
دموعه ستصبح حممًا ملتهبة، تلتهم أعصابك ومشاعرك بلا رحمة..
ولن يهدأ لك بال حتى تمسحها..
حتى تمحوها بكل قوتك..
وكل حبك..
وحتى تعود إليه الابتسامة..
وبأي ثمن..
وأحلامه ستصبح بالنسبة لك هدفًا، تسعى قبله لتحقيقها له..
أمنياته هي أمنياتك..
رغباته كل ما تقاتل من أجله..
كل ما يريده هو أمر مباشر لقلبك..
لكيانك..
لقدراتك..
وآه لو نطقت شفتاه بكلمة حب واحدة..
عندئذ ترتجف أذناك، وتنتقل ارتجافتها إلى قلبك، ومشاعرك..
إلى كل خلية في جسدك..
وسيخفق قلبك..
ويخفق..
ويخفق..
ويستمر في الخفقان، ما دامت الكلمة تتردد في أعماقك، وتعربد في وجدانك..
ولن تنساها أبدًا..
أبدًا..
ولن تسأل نفسك لماذا..
فهذا هو الحب..
شعور لا يمكن وصفه بعبارات محدودة..
أو حتى في بحر منها..
فهو يحتاج إلى محيط من الحبر..
وشلال من الورق..
وقرون من الدهر..
وموسوعات من الشعر..
وأطنان من الأقلام..
وفيض من المشاعر..
ونهر من الأحاسيس..
وبحيرات من الانفعالات، و..
وقلب يحب!!
قلب واحد، خفق بالحب، يكفي ليمنحنا جواب السؤال..
فهذا هو الحب..
الحب..
كل الحب..
****