ترى ما لون الحب، الذي يروق له بالضبط؟!
قد يبدو لك السؤال غريبًا عجيبًا، وربما غير منطقي أيضًا، بل ومن المحتمل أن تستنكره، وتغضب منه، وتتصور أنه مجرد تلاعب لفظي..
ولكن الواقع أن الحب له ألوان بالفعل..
وألوان الحب ليست ألوانا زاهية، أو واضحة للعين، ولكنها أشبه بقوس قزح، يتألق في عمق القلب، مع انهمار أمطار الحب في العروق..
وكما تميل عين كل منا إلى لون ما، من ألوان الطبيعة، يتناسب مع شخصيتنا، ويصلح لتحديد اتجاهاتنا النفسية، كذلك يميل قلب كل منا إلى لون من ألوان الحب يتناسب أيضا مع شخصيته، لتحديد هويته النفسية.
وألوان الحب مجرد مصطلح، يرتبط بالشيء الذي جذبنا إلى محبوبنا، أو محبوبتنا، والذي من أجله وقعنا في بحر حبه، وغرقنا داخله حتى النخاع..
وأول لون من ألوان الحب هو اللون الوردي، أو الحب الرومانسي، الذي ينتبه فيه كل طرف إلى المشاعر الرقيقة لدى الطرف الأخر، وإلى حساسيته، وأحاسيسه، ولمساته، وحتى هيامه وأحلامه..
وفي مثل هذا اللون من الحب، يكون للمظهر الخارجي أهمية بالغة، في نظر كل من طرفي حالة الحب، إذ أن النظرة الرومانسية للأمور تحتم أن يكون الطرف الأخر أشبه بنجوم السينما حتى تكتمل الصورة، فلا يمكن لفتاة رومانسية مثلا أن تتصور نفسها في حالة حب مع شخص أصلع سمين، له كرش ضخم، يشف عن اهتمام غير طبيعي بالطعام والشراب، كما يصعب على أي شاب رومانسي أن يرسم صورة حب جميلة مع فتاة بدينة، فطساء الأنف، أو غليظة الملامح..
هذا لأن اللون الوردي هو الغالب على كل الأمور..
وعلى كل الأشياء..
والأشخاص الذين يميلون إلى الحب الوردي، يغرقون طويلاً في أحلام اليقظة، ويقضون وقتًا طويلاً في تخيل لحظات لقاءهم القادمة مع الحبيب، ويرسمون صورة أنيقة جميلة مثالية لها، بل ويكتبون السيناريو الكامل للقاء، من ناحيتهم وحدهم..
ولهذا تكون صدماتهم عنيفة في المعتاد..
فالطرف الأخر قد يكون رومانسيًا بدوره، مما يمنحه الحق في أن يرسم الصورة من وجهة نظره أيضًا..
وعندما يلتقيان، تكون لدى كل منهما صورة رومانسية جميلة وأنيقة، وشاعرية، ورقيقة..
ولكنها مختلفة..
والاختلاف بين منظوريهما للأمور، قد يصدم كل منهما، دون أن يقصد الأخر هذا، أو حتى يتمناه..
كل ما في الأمر هو أن كل منهما قد ارتطم بصورة، تخالف تمامًا تلك التي ظل يرسمها في ذهنه طويلاً..
صحيح أنها تكون صورة جميلة أيضًا، ولكنها لا تشبه صورته..
وهذا قد يورث بعض الإحباط..
والضيق..
وربما النفور أيضًا..
ومع مرور الوقت، وتكرار الإحباط، التي لا يفصح عنها الطرفان في المعتاد، تتعاظم الأمور وتمتد، ويصبح من السهل أن يحدث الصدام..
والخلاف..
والفراق في بعض الأحيان..
وهذا يمكن أن يحدث..
ويمكن ألا يحدث أبدًا..
فكثيرًا ما يكون المحب الرومانسي رقيق المشاعر، حتى أنه يأبى إيذاء مشاعر الطرف الأخر..
فيحتمل..
ويحتمل..
ويحتمل..
وربما تكون لديه القدرة على الاحتمال إلى الأبد، مهما كانت الإحباطات والمنغصات..
بل وربما يبذل قصارى جهده أيضًا، ليتوافق تمامًا مع الصورة، التي رسمها له الطرف الأخر..
وفي هذه الحالة سيستمر الحب..
وستستمر الحياة..
ولكنها لن تصبح رومانسية، إلا من طرف واحد..
ومن المحتمل أيضًا أن يبدأ الحب الوردي على النحو نفسه..
من طرف واحد..
أن يبدأ الحب بطرف رومانسي، وأخر واقعي..
وفي هذه الحالة ستكون الخلافات أكثر..
والإحباطات أضخم..
وفي كل الأحوال من العسير أن يستمر الحب الوردي لفترات طويلة، دون أن يتغير لونه، أو تتغير طبيعته، إذ أن متغيرات الحياة نفسها ستحتم تغيرات جذرية في الحياة، والعمل، والدخل..
وحتى في مشاعر الطرفين أيضًا..
الطريف أن كل مخلوق في الدنيا يحلم بحب وردى، ولو لمرة واحدة في العمر، ولكن من النادر في الوقت ذاته، أن تجد حبًا ورديًا قادرًا على الاستمرار، والمقاومة..
والبقاء..
هذا لأن الحب الوردي أشبه بالزهور اليانعة، لا يمكن أن تستمر، وأن تحتفظ برونقها وعبيرها، إلا لو واظبت على رعايتها والعناية بها، دون أن تغفل عينك عنها لحظة واحدة..
وفي عالمنا، لا يمكنك أن تعتني بزهرتك الوردية، بكل هذا القدر، دون أن تهمل جوانب أخرى من الحياة، لها أهمية قصوى للاستمرار والتقدم..
هذا يخص الحب الوردي..
فماذا عن الحب الأحمر؟!
الحب الأحمر هو حب قوى..
ناري..
ملتهب..
حب يولى اهتمامًا كبيرًا بالجسد، أكثر مما يوليه للروح..
بمعنى أدق، هو حب غارق في المشاعر الحسية، والمتع الجسدية..
والذين يميلون إلى الحب الأحمر، هم في المعتاد ممن لا يتصورون الحياة أو الحب، دون تلامس بين المحبين..
وهذا التلامس لا يكتفي بمداعبات الأصابع، أو عناق الأيدي، ولكنه ينشد دومًا ما يفوق هذا..
بكثير..
وأصحاب الحب الأحمر يميلون دائمًا للأجساد المثالية، التي تشف عن قوة وذروة نوعية..
فالأنثى لا تميل إلا إلى الذكر القوى المفتول العضلات، الخشن الصوت والملامح الصارم في أسلوبه وتعاملاته..
أما الذكر، فلا تجذب انتباهه سوى أنثى مفرطة في الأنوثة، في صوتها، وهيئتها، وقوامها، وحركاتها، وإيماءاتها..
ما ينطبق على الحب الوردي، ينطبق على نحو أكثر وضوحا،ً على الحب الأحمر..
مع فارق واحد..
وفي معظم الأحوال، تكون الأنثى هي الطرف المتسامح، في مثل هذه العلاقة، إذ أن اهتمام الذكر بالعلاقات الجسدية يفوق اهتمام الأنثى بمراحل شتى، حتى أنه في طبيعته الجينية، لا يمكنه أن يكتفي بأنثى واحدة، إلا بصعوبة بالغة، وهذا ما أثبتته الأبحاث العلمية مؤخرًا، عندما أكدت أن جينات الذكر تدفعه إلى التعدد في العلاقات، وفي حين أن جينات الأنثى تدفعها إلى الاستقرار والانفرادية في علاقاتها..
وبالطبع توجد استثناءات لكل قاعدة، ولكن هذا يوضح لنا لماذا أحل الله (سبحانه وتعالى) للذكر مثنى وثلاث ورباع، في حين لم يُحِل للمرأة سوى زوج واحد..
وسيختلف معي البعض بشدة حتمًا، حول هذه النقطة، وستفهمني النساء بالتحديد بأنني أدعو إلى تعدد الزوجات وربما تتهمني بعضهن بالتخلف والهمجية أيضًا، كما اعتدن مهاجمة كل من يناقش هذه النقطة، ولكن العلم والدين لا يعرفان المجاملة أو المهادنة..
فالعلم هو العلم..
والدين هو الدين..
ونحن أضعف وأقل من أن نعاند أمرًا كهذا..
ببساطة لأننا نجهل الصورة الكاملة للأمور..
ونجهل أكثر ما الذي يمكن أن يحدث غدًا..
فماذا لو نشبت حرب طاحنة، والتهمت الشطر الأعظم من الذكور، كما تفعل معظم الحروب؟!
ماذا ستفعل النساء عندئذ؟!
ربما لن يكون هناك أمل سوى في التعددية؟!
ربما!!
لا أحد يدرى..
ولا أحد يعلم..
ولهذا ليس من حق أحد أن يهاجم أو يعاند..
ولكن دعنا نعود إلى موضوعنا الرئيسي..
الحب الأحمر..
فهذا الحب هو أسهل حب يمكن أن يذبل وينزوي مع الزمن، ببساطة، لأن الزمن نفسه لن يبقى على مثالية الأجساد، مهما بذل أصحابها من جهد..
ستذبل الأجساد حتمًا مع الوقت..
وتهرم..
وتشيخ..
وتذوى..
ولو أن الحب يرتبط بها وحدها، فسيمر بكل المراحل السابقة.
أو يمر قبلها بمرحلة أكثر خطورة..
مرحلة الاعتياد..
فالحب القائم على الجسد، حب سريع الملل والضجر، وأي مخلوق في الدنيا، مهما امتلك جسدًا رائعًا، لن يلبث أن يبدو عاديًا مألوفًا، بل ومضجرًا أيضًا، في عيني الطرف الأخر، بعد أن يمتلكه بالفعل، ويعتاده، ويفقد حالة الانبهار والانجذاب تجاهه..
ولهذا تفشل معظم حالات الحب الأحمر، لو أنها لا تستند إلى أي أمر أخر.. تفشل تمامًا..
وعلى الرغم من أن بعض الإناث تلجأن إلى استثارة الأجساد، كسبيل للإيقاع بحبيب، إلا أنهن يدركن جيدًا، في الوقت ذاته، أن الارتباط الجسدي واه وهش للغاية، لأن المحب لن يلبث أن يعشق جسدًا أخر، أو يقع في غرام قوام أفضل..
أو حتى قوام مختلف..
ولهذا تجد أن معظم الأزمات النفسية من نصيب عشاق الحب الأحمر؛ لأنهم في حالة تنافس مستمرة، وصراع متصل، للحفاظ على وجودهم، وتفوقهم، وحبهم..
ولا يشعرون بالاستقرار أبدًا..
ومن هذا الجانب يعتبر الحب الأحمر أكثر أنواع الحب تعبًا وإرهاقًا، وأسرعها ذبولاً وفناء على الإطلاق..
هذا بخلاف الحب الأخضر..
والحب الأخضر هذا.. هو حب ناضج، يدرك كل طرف فيه مزايا وعيوب الطرف الآخر، ويتقبله بجانبيه، الجيد والرديء، باعتبار أنه ما مِن إنسان كامل..
بل وما من مخلوق كامل، في الكون كله..
فالكمال لله (سبحانه وتعالى) وحده..
وأصحاب الحب الأخضر هم الأكثر قدرة على تحمل المصاعب، وتجاوز العقبات، وتفادى المصادمات العنيفة، لذا فهم الأقدر على التواصل والاستمرار..
والنجاح..
وفي الحب الأخضر، يتم الاختيار بمزيج من العقل والقلب معًا، فكل طرف يحب شيئًا ما في الطرف الأخر، ويتغاضى عن أشياء أخرى قد لا تروق له أو تتوافق معه..
وحالات الحب الأخضر قابلة للنجاح أكثر من غيرها بكثير بشرط ألا تكون عيوب أحد الطرفين جوهرية أو خطيرة، كالبخل الشديد، أو العصبية المفرطة، أو العدوانية غير المبررة مثلاً..
فالأنثى مثلاً، يمكن أن تحتمل أي عيوب في الذكر، فيما عدا بخله..
البخل الشديد ينفرها، ويغضبها، ويحنقها، ويجعلها تتصور أنها لا تساوى شيئًا في نظر محبوبها..
وفي مراحل صباها ومراهقتها، وأوائل شبابها، قد لا تجيد الأنثى التفرقة بين محدودية دخل المحبوب وطبيعته البخيلة، فتسيء تفسير عجزه المادي عن الإنفاق، باعتباره بخلاً وشحًا..
وقد تغضب..
وتثور..
وتهجر أيضًا..
وفي مرحلة نضجها، ستدرك طبيعة الفرق..
وعندئذ ستتحمل..
وترضى..
وتحب..
هذا لو أنها تميل إلى الحب الأخضر..
الحب الواقعي..
المنطقي..
والمتسامح..
وفي نفس الوقت، الذي نجد فيه ألوانًا من الحب، تميل إلى الرومانسية، أو الشهوانية، أو تمزج بين العقل والقلب، نجد أيضًا نوعا من الحب بلا ألوان..
حب أبيض وأسود..
حب واقعي تمامًا، لا يرى من الحياة أي درجة من درجات اللون الرمادي..
يرى فقط اللونين الأساسيين..
الأبيض والأسود..
وهذا اللون من الحب ليس لديه أمور وسط، فكل شيء إما صحيح تمامًا أو خطأ تمامًا..
وسيدهشك أن أصحاب هذا الحب، هم القادرون على التعامل مع كل أصحاب الألوان الأخرى، مادام هذا يحقق مصالحهم، التي يحسبونها دوما بمنتهي الدقة، ولا يتنازلون عن تحقيقها أبدًا..
فالحب في نظرهم مجرد وسيلة، لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم، مع اقل القليل من التعب والتضحيات..
وأصحاب هذا النوع لا تخفق قلوبهم أبدًا، حتى أنهم قد يبدون كمن لا قلب له ولا مشاعر عنده..
وحتى لو حاولت قلوبهم أن تخفق، فهم يخمدون خفقانها على الفور ؛ لأن نبضات القلب والحب عندهم مجرد حماقة، أو نقاط ضعف، لابد من هزيمتها، والتغلب عليها فورًا، وإلا فسدت خططهم، وضاعت أحلامهم إلى الأبد..
ولأنهم لا يحبون أبدًا، يكون باستطاعتهم أن يتلاعبوا بمشاعر الطرف الأخر، أيا كان لونه..
فلو أنهم يرتبطون بشخص رومانسي النزعة، تجدهم أساتذة في التعامل بمنتهي الرومانسية والشاعرية والرقة..
ولو كان المحب من هواة الحب الأحمر، سيبذلون كل ذرة في أجسادهم، لإرضائه، وإمتاعه، وخلب لبه..
أما لو أنه من المنتمين إلى الحب الأخضر، فستكون المعركة صعبة إلى حد كبير إذ أن عليهم أن يملأوا عقله وقلبه معًا..
وهم في العادة يفلحون..
ولكن لفترة محدودة..
فترة قد تطول أو تقصر، ولكنها تنتهي بكشف أمرهم حتمًا..
هذا لأنهم لا يحتملون التلون طويلاً..
وإن عاجلاً أو آجلاً.. سينكشف أمرهم..
وتسقط الأقنعة عن وجوههم، ويظهرون على حقيقتهم..
أحيانًا في الوقت المناسب..
وغالبًا بعد فوات الأوان..
وعندئذ تحدث الكارثة، وتكون صدمة عنيفة للطرف الثاني..
ولهذا حديث آخر..
***