أوسمة : عدد المساهمات : 734 نقاط التقييم : 12165 تاريخ التسجيل : 13/05/2009 العمر : 38 الموقع : Sudan العمل/الترفيه : د.صيدلي
موضوع: حبــك نـــار .. د. نبيل فاروق الأحد أبريل 08, 2012 9:02 pm
هل عرفت يوما ذلك الحب.. النار؟!
الحب الحار..
الساخن..
الملتهب..
ذلك الحب الذي ما أن يدخل قلبك؛ حتى يشعل النيران في كل خلاياه ويحول الدماء فيه إلى حمم لا تبقى في كيانك ذره واحدة، إلا وتتحرق لهفة لرؤية المحب، ومقابلته، والعيش بين ذراعيه حتى آخر العمر..
وللوهلة الأولى يبدو ذلك الحب أشبه بالحلم الذي يتمنى كل إنسان أن يحياه ولو لِليلة واحدة..
الحلم في أن يُحِب بكل هذه القوة..
وأن يُحَب أيضا بالقوة نفسها..
وقديمًا، كانت قصص الحب من ذلك النوع حيث يغرق الحبيب في عشق محبوبته منذ اللحظة الأولى، ويمتلكه حبها حتى النخاع، فيقاتل ويخوض غمار الحروب والمعارك، حتى يفوز بها..
أو لمجرد أن يثبت حبه..
وهذه الصورة دائما جميلة وخلابة، وبالذات للجنس الطيف، إذ انه ما من فتاه أو امرأة في العالم، إلا وتتمنى أن يحبها شخص ما كل هذا الحب العاصف الجارف..
وان يذوب عشقا لخطواتها..
وهمساتها..
ولمساتها..
وحتى لمجرد مرآها..
والأنثى، كل أنثى، تجد في هذا الحب كل الراحة..
والاطمئنان..
والسعادة..
والأمان..
ولكن بشرط واحد..
أن تميل إلى من يمنحها كل هذا الحب..
وان يمكنها هي أيضا، على نحو أو آخر، وأن تحبه فإن لم يتحقق هذا الشرط، الأساسي جدا، فالحب نفسه سيتحول في هذه الحالة، إلى نار حقيقية..
نار تلسع..
وتلهب..
وتحرق أيضا..
وسيتحول الحلم نفسه، بأدق تفاصيله إلى كابوس..
كابوس بشع، يرتجف المرء كلما آوى إلى فراشه، خشية أن يلتقي به في منامه..
فماذا عن صحوه؟
فالمحب الذي يعشق الآخر بحب نار، لا يمكن أن يقبل بالتنازل عنه أبدًا..
مهما كان الثمن..
ومهما كانت التضحيات..
ومهما بلغت الصعاب..
فإذا لم يظفر به مباشرة فيظل يطارده في إلحاح..
ويقاتل للظفر به..
ويجاهد للفوز بمشاعره..
وبالنسبة للطرف الآخر، ستصبح هذه مشكلة، ما بعدها مشكلة..
وبالذات لو الطرف الثاني هو الأنثى..
فالأنثى تركيبة خاصة جدًا تختلف تمام الاختلاف عن الذكر، في أن مشاعرها قوية..
واضحة..
واثقة..
ومؤكدة..
وهذا بالنسبة لها شخصيًا على الأقل..
وبسبب كل هذا فمشاعر المرأة مباشرة جدًا، ولا تقبل في نظرها المساومة أو التهاون..
وليس لديها أي حل وسط..
فهي إما تحب..
أو لا تحب..
والحب أو اللاحب يحولان المرأة إلى كائنين مختلفين تمامًا..
فإذا ما أحبت، أصبح المحبوب هو كل شيء في الوجود..
ملامحه وسيمة..
دعابته مضحكة..
أفكاره عبقرية..
وحتى أخطاؤه هي نتاج، حكمة، وذكاء، وبعد النظر..
أما لو لم تحب، فكل شيء ينقلب إلى العكس تمامًا..
الملامح تصبح مستفزة..
والدعابات سمجة..
والأفكار غبية..
أما الأخطاء، فهي تعبير عن الحماقة، والسخافة، وقصر النظر..
ومن الطبيعي أن تسعد كل امرأة في الدنيا، عندما يحبها، حبا من نار، شخص وسيم..
لطيف..
وعبقري..
ومن الأكثر طبيعة أن تضيق، أو حتى تغضب، إذا ما جاء هذا الحب من شخص مستفز، وسمج، وغبي أيضا..
وكل هذا طبعًا من منظورها وحدها..
فمن الممكن جدا أن تتفق الدنيا على أن ذلك الذي يحبها، شخص ممتاز، أو رائع، وتتمناه كل أنثى في الدنيا..
ولكنها وحدها، لا ترد هذا..
فلا تحب..
أو تميل..
أو تتفاعل..
وعلى العكس تمامًا، فقد تجد دهشة عارمة في وجوه الجميع من، سخافة وضآلة وتفاهة الشخص، الذي وقعت في غرامه امرأة ما، وذابت في عشقه، كما لم تذب امرأة في عشق رجل من قبل!!
ويا لسعادتها وفرحتها، لو أحبها هو بدوره..
ويا لروعة الدنيا لو كان حبه من ذلك النوع..
الحب النار..
والتاريخ المكتوب، أو حتى الروائي، لا يتوقف طويلا أمام أي حب، حتى ولو كان حبا من نار، لو أنه حب من طرف واحد، ففي هذه الحالة يعتبر دوما، نوعا من الحب اليأس..
البائس..
الفاشل..
أما لو حدثت المعجزة، وأصبح الحب من نار، من الطرفين في آنٍ واحد، فلا احد في الدنيا يمكنه أن يتجاهل هذا..
أو حتى يدير عينيه عنه..
فالنار تلتقي بالنار، ليصنعان معًا شلالاً من اللهب، لا يمكنك إلا أن تتوقَف أمامه مبهوتًا ومبهورًا..
وربما حاسدًا أيضًا..
ولأنه حب مزدوج من نار، والنار تلتهم كل ما يعترض طريقها في المعتاد، فذلك الحب النادر يبدو أشبه بموجة هائلة، تكتسح أمامها كل شيء في الوجود؛ لتثبت قوتها..
وتؤكد صدقها..
وتستقر هادئة متماسكة في النهاية..
وراجع معي التاريخ..
التاريخ الفعلي..
و التاريخ الروائي..
من منا يجهل تفاصيل الرواية الخالدة (روميو) و(جوليت)، عندما ربط بينهما حب من نار، تجاوز الخلافات الأزلية والموروثة بين عائلتيهما، وتحدى عناد وإصرار الأسرتين، وقاتل عنف الجميع لمنع ارتباطهما، الذي لم يكتب له أن يتم في الحياة الدنيا، وانتهى إلى لقاء في الحياة الآخرة.
ومن لم يسمع أشعار (عنترة العبسي)، في محبوبته وابنة عمه (عبلة)، الذي قاتل من اجلها جنود (كسرى)، ليعود إليها بالنياق الحمر..
بل ومن لم تبهره قصة الملك (إدوارد)، الذي تخلّى عن عرشه وملكه، وخلع عن رأسه تاج (انجلترا) حتى آخر العمر، ليفوز بقلب حبيبته مسز (سمبسون)، ويكتفيان معًا بدوقية (ويندسور) التي احتوت حبهما المشتعل، حتى آخر لحظة في حياتهما..
ولاحظوا أنه، في معظم هذه القصص، كان هناك شخص ثالث..
حبيب آخر يتملكه أيضًا حب من النار..
ولكن البطلة ترفضه..
وتنبذه..
بل وتكرهه أيضًا..
الحب إذن من نار، في كل الأحوال..
ولكن ليست كل النيران عظيمة..
محبة..
أو سخية..
هذا ما علمنا إياه التاريخ..
وما لقننا إياه الأدب..
وما أكدته لنا الدنيا..
وما أوصلنا إليه التفكير المرتب المنطقي، عندما نناقش فكرة الحب الملتهب، عندما يتملك الرجل تجاه المرأة..
والآن علينا أن نتساءل عما يمكن أن يحدث، لو أن العكس هو الصحيح..
لو أن المرأة هي التي تحب الرجل، حبًا من نار!!
صحيح أن الحالات المعروفة في هذا المضمار نادرة، إلا أن هذا لا يعنى أنها غير موجودة على نطاق واسع..
كل ما في الأمر، أن المرأة ليست لها الجرأة الكافية، للإفصاح عن حب من نار يلتهم أعماقها، تجاه رجل لا يشعر بوجودها..
أو حتى لا يدرك هذا..
ولأن ثقافتنا مازالت شرقية، ذكورية، متزمتة، مهما بدا العكس، في الآونة الأخيرة، فالمجتمع يواجه المرأة بالصدمة، والاستنكار، والازدراء، وربما النفور أيضًا، لو أنها أفصحت عن حقيقة مشاعرها، تجاه رجل ما..
فما بالك لو أن مشاعرها هذه من نار!
لذا، فقد نمت المرأة، ونشأت، وترعرعت، وتربت على إخفاء مشاعرها، وكتمانها..
بل وإنكارها في بعض الأحيان..
ولكن هذا لا يمنعها من السعي المستميت، للفوز بمن أشعل قلبها..
و للمرأة في هذا وسائل مختلفة، تبدأ بمحاولة لفت الانتباه، وإيقاظ المشاعر، وتنتهي بمحاولات الإغواء في حالات نادرة..
وبعض الرجال يسعدهم جدًا أن تسعى الأنثى خلفهم؛ لأن هذا يشعرهم بأهميتهم، وكفاءتهم، وجاذبيتهم تجاه الجنس الآخر..
وهذا النوع من الرجال ينبهر، إذا ما لمس نيران حب أنثى ما..
وربما سقط في حبها أيضًا، ويوفر لها مشوارًا من السعي والتعب والمحاولة..
أو تروق له اللعبة، فيتمادى في إظهار لامبالاته، لينعم بسعيها خلفه أكثر وأكثر.. و المرأة لديها ذكاء خاص، في هذا المضمار بالذات؛ وهي تدرك بسرعة حقيقة مشاعر الرجل تجاهها، وتتخذ قرارها بناء على حصيلة دمج مشاعرها بمشاعره، ومن منظورها الخاص جدًّا..
فقد تواصل القتال، مع تغيير التكنيك..
أو تتوقف؛ لالتقاط أنفاسها، وإعادة دراسة الموقف..
أو تدرك أنها تخوض حربًا خاسرة..
فتنسحب..
والحالة الأخيرة، لا تلجأ إليها المرأة أبدًا، إلا إذا أدركت أن الرجل، الذي شغف به قلبها، واقع في عشق أخرى..
وأن تلك الأخرى تبادله عشقًا بعشق..
في هذه الحالة فقط، تدرك أن القتال عقيم، وأن جبهة أخرى قد فازت بالنصر في المعركة..
وهذا ليس أمرًا حتميًا، بل من الممكن جدًّا أن تواصل المرأة القتال، على الرغم من كل هذا..
وعندئذ تتحول إلى كتلة من النار بالفعل..
نار تحرق كل ما أمامها، بلا رحمة أو شفقة، وتلقي خلف ظهرها كل القواعد والتقاليد، في سبيل الفوز بمن تحب..
والفوز فقط.. والدافع هو الحب نفسه..
الحب النار..
وعلى الرغم من كل ما سبق، ومن الصورة الملتهبة، التي يصنعها الحديث عن الحب النار، إلا انه حب قصير المدى، مهما طال عمره..
تمامًا كالنار..
تحرق، وتنتشر، وتلتهم..
ثم لا تلبث أن تهدأ، وتخبو، وتنطفئ..
وتتحول إلى رماد ساخن، سرعان ما يبرد..
ويبرد..
ويبرد..
فمشكلة هذا النوع من الحب، هو انه يحتاج إلى حطب يزكيه باستمرار، ويضمن اشتعاله على النحو نفسه طوال الوقت..
ومشكلته الكبرى أن طرفيه يعشقانه، ويأبيان التخلّي عنه، أو القبول بتحوّله إلى حب هادئ، عميق مستقر..
ولأن دوام الحال من المحال، فمن الطبيعي أن تهدأ نيران الحب بالارتباط..
وان يفقد سمته الأساسية..
الالتهاب..
وعندئذ يغضب احد المحبين، ويثور، و..
وهذا أمر طبيعي؛ لأنه يتفق تمامًا مع ذلك النوع من الحب..