منتدي بستان المعارف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي بستان المعارف

منتدي بستان المعارف منتدي يشتمل علي شتي صنوف العلم والأدب والمعرفة ...
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
» انظر ما أبكى الرسول لعلك تتوب
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 10, 2014 4:37 pm من طرف مدير المنتدي

» الغــــــــول .. بقلمي
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 07, 2014 3:15 pm من طرف د. عروة

» روايـة الموت فى قطرة .. رجل المستحيـل .. بقلم د. نبيـل فاروق
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالسبت يوليو 12, 2014 6:18 pm من طرف مدير المنتدي

» سلسلة ماوراء الطبيعة (كــاملة).. د. أحمد خالد توفيق
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالإثنين فبراير 24, 2014 7:10 pm من طرف مدير المنتدي

» أسطورة الأســــــــــــاطير ج1 ..روايات ما وراء الطبيعة .. العدد الأخير (80)
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالإثنين فبراير 24, 2014 6:58 pm من طرف مدير المنتدي

» حلقات مسلسل النمر المقنع ..
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالأربعاء يوليو 17, 2013 10:03 pm من طرف مدير المنتدي

» عطش الفريق ---------------- بقلمي عبدالقادر الصديق
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالخميس يونيو 27, 2013 4:44 pm من طرف gidro87

» نتيجة إمتحانات الشهادة السودانية 2013 . .
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالسبت يونيو 22, 2013 11:15 pm من طرف مدير المنتدي

» زوزانكـــا .. بقلم د. أحمد خالد توفيق
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالإثنين يونيو 10, 2013 5:03 pm من طرف مدير المنتدي

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
مدير المنتدي
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_rcapأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_voting_barأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_lcap 
د. عروة
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_rcapأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_voting_barأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_lcap 
amna alamin
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_rcapأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_voting_barأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_lcap 
Mussab
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_rcapأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_voting_barأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_lcap 
آلاء
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_rcapأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_voting_barأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_lcap 
shahir
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_rcapأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_voting_barأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_lcap 
ياسر almak
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_rcapأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_voting_barأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_lcap 
gidro87
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_rcapأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_voting_barأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_lcap 
Dr.S
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_rcapأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_voting_barأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_lcap 
بشير الطيب
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_rcapأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_voting_barأكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_vote_lcap 
Google Search
زوار المنتدى

.: عدد زوار المنتدى :.


 

 أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مدير المنتدي
المدير العام
المدير العام
مدير المنتدي


أوسمة أوسمة : وسام الإداري المميز
عدد المساهمات : 734
نقاط التقييم : 12165
تاريخ التسجيل : 13/05/2009
العمر : 37
الموقع : Sudan
العمل/الترفيه : د.صيدلي

أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق Empty
مُساهمةموضوع: أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق   أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 17, 2013 5:54 pm

أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق 3443168097
(1) :
عندما كان محمود ينظر للوحة رسمها فان جوخ بتلك الطريقة النقطية والخطوط الملتفّة الدوّامية، كان يشعر بأن جوخ رسمها وهو يمر بحالة صرع متقدمة.. الجديد هو أن حالة الصرع هذه صارت قابلة للانتقال عبر الأجيال والأزمنة.. صار محمود يشعر بأن الصرع يداهمه هو الآخر كلما أمعن النظر في هذه اللوحة، وفيما بعد رأى الجنرال النازي الذي يصاب بالصرع عندما يرى لوحات فان جوخ، في فيلم "ليلة الجنرالات".. فهم المشهد على الفور برغم أن أمه لم تفهمه وكانت تشاهد التليفزيون معه.
المرض النفسي ينتقل بالفيروسات والبكتريا كأي مرض آخر.. حقيقة ليست علمية ولا يرضى عنها أي طبيب، لكنها عملية لو شئت الدقة.. الجنون مُعدٍ والعصاب مُعْدٍ والهستيريا مُعْدية.
ضع نفسك في ذلك المصعد الضيّق المعطل جوار تلك السيدة الهستيرية التي لا تكفّ عن الصراخ موشكة على الاختناق.. بعد دقائق سوف تنقل لك فيروسات الهستيريا.. بعد دقيقة أنت هستيري مثلها ومُعدٍ.. أنت تصرخ وتوشك على الاختناق..
يؤمن محمود إذن بأن فيروسات الصرع انتقلت عبر الأزمان.. ومن خلال خطوط فان جوخ، لتصيب بالعدوى كل من يقف أمام هذه اللوحات الرائعة..
هذا ما عرفه محمود.. وهذا ما نسي أنه يعرفه..
***
عندما ماتت خالة محمود، كان عليه أن يذهب لدارها؛ لينتقي الأشياء التي سوف يتخلّصون منها.. عندما يموت المرء بلا ولد ولا زوج فإن ممتلكاته مشاع.. ثمة جو من الانتهاك في هذا كله، مع لمسة مؤسية.
أعطته أمه المفتاح الذي تحتفظ به، وطلبت منه أن يبحث جيدًا ويقرأ الفاتحة لخالته، وراحت تنهنِهُ على سبيل أداء الواجب نحو ضميرها.
كان محمود محاسبًا شابًا في الخامسة والثلاثين، لا يكاد يعمل ولا يكاد يكسب مالاً، وكان يأمل لو كانت خالته قد تركت له مالاً.. أي مال.. لكن من الواضح أن ميراثه الوحيد هو تلك (الكراكيب) في شقتها.. الكراكيب التي لا يريدها أي واحد آخر..
قرأ الفاتحة في سره وهو يولج المفتاح في باب الشقة.. لم تكن أمه تعرف أنه انتقى هذه الليلة بالذات..
الظلام.. رائحة الموت والهواء الحبيس الذي سرّه أن يجد شخصًا يتبادل معه الكلام.. اتجه للنوافذ ففتحها.. ونظر حوله..
لقد تكاثف الغبار على منضدة الطعام.. على المقاعد.. على الأطباق التي تركها آخر من كان في الشقة حيث هي.. لقد كان يلعب في هذا الركن، وفي هذا الركن هشّم كوبًا وتلقّى "علقة" ممتازة.. هنا كانت خالته تلاحقه.. شابة جميلة مليئة بالحيوية..
تنهّد وقرر أن يقوم بمهمته الصعبة بسرعة..
أولاً عليه أن يتخلّص من هذا الخوف الطفولي.. هو وحده في شقة امرأة متوفاة.. امرأة متوفاة لم يعرف أحد سبب وفاتها قط، وقيل إن جثتها متخشّبة بطريقة غير معتادة.. امرأة عاشت معظم حياتها وحيدة إلا أنها كانت تربي ابن قريبة لها؛ لأنها لا تنجب.. لما توفي الزوج كان عمر الصبي عشرة أعوام، وقد ظلت تربيه كأنه ابنها حتى.....
حتى فر من البيت ولم يسمع عنه أحد شيئًا بعد هذا..
عندما تمشي وحيدًا في شقة امرأة متوفاة لها هذا التاريخ، فأنت غير ملوم.. غير ملوم لو توقّعت أن تقابلها أو تخرج لك من غرفة النوم لتقول شيئًا.. أو تطلّ برأسها من المطبخ وتنظر لك بحدة..
تبًا! هذه الخواطر لا تزيده شجاعة كما هو واضح..
قال لنفسه: خالتي تحبني.. خالتي لن تؤذيني حتى وهي في صورة شبح..
هنا تحرك شيء في المطبخ، فانتصب شعر رأسه، وراح قلبه يخفق بلا توقّف..
تماسك يا أحمق.. أنت في الخامسة والثلاثين لكن قلبك واهن، وأنت تعرف هذا. يمكن أن يتخلى عنك بسهولة.. لن تموت بهذه البساطة لمجرد أنك جبان وأن فأرًا تحرّك في المطبخ..
هرع للمطبخ وأضاء النور الكهربي.. وجد مكنسة لم تمسّ منذ وفاة خالته.. أطبق عليها أنامله وراح ينظر حوله.. هنا رأى ذلك القارض اللعين يفر من فوق النملية العتيقة، فينحدر للأرض ويغادر المطبخ مسرعًا..
لم يكن محمود يخشى الفئران.. لذا أراحه أن يرى هذا القارض الصغير.. شيء طبيعي على الأقل..
هنا رأى درجات السلم الخشبي.. السلم الذي يستند إلى الجدار ويستند أعلاه إلى صندرة مفتوحة أو "نملية".. لا بد أن هذا الأخ المغطى بالفراء جاء منها.. نظر محمود حوله فرأى مصباحًا صغيرًا يعمل بالكحول أقرب إلى (ونّاسة) صغيرة على رف النملية.. أشعل عود ثقاب وحاول أن يوقد الفتيل فاستجاب..
توكل على الله وتسلّق السلم وهو يحمل الوناسة في يد ويتمسّك بيد..
لا تسقط فتحطم ساقك.. لا أحد يعرف أنك هنا.. حتى أمك لا تعرف أنك اخترت اليوم للقيام بهذه المهمة..
على باب الصندرة راح يتشمّم رائحة الغبار والعطن.. ثم تمسك بحافة الباب ودلف إلى الداخل..
الظلام دامس لكن الوناسة تصنع بقعة ضوء لا بأس بها..
انحنِ.. انحنِ... خيوط العناكب تلتصق بشعرك.. كثيرة وسميكة حتى يبدو أن هناك عنكبوتًا عملاقًا من أفلام الخيال العلمي في مكان ما..
ماذا يوجد هنا؟ هنا فونوغراف قديم.. هنا حقائب مليئة ببذلات مغبرّة بالية.. هنا مرايا مهشمة.. هنا ألبومات صور عتيقة امتلأت بصور بنية خشنة على طريقة "سفوماتو"، وبالطبع تحتاج إلى عمر آخر كي تراها جميعًا.. لن ترى سوى كمية طرابيش هائلة على كل حال..
سبحان الله.. نفس المكان دائمًا وفيه نفس الأشياء.. لا شيء يتغير..
لكن عينيه توقفتا على أشياء على الجدار..
دنا بالضوء من الجدار.. هناك الكثير من الغبار، لكنه يرى لوحة.. لوحة رسمت بألوان الماء (أكواريل).. لا يميز ما فيها لكنه يحبها..
هل يوجد شيء آخر؟ آنية.. صناديق فيها حلي... بالطبع ليس له أن يأمل أن يجد جوهرة منسية تغيّر حياته للأبد.. الحلي زائفة طبعًا لكنه سيجمعها في كيس.. ربما وجدت أمه في بعضها ذكريات حميمة..
من جديد عاد ينظر للوحة..
يجب أن يرى ما فيها..
لكن لينزل من الصندرة أولاً ويراها في ضوء مناسب..
هكذا تناول اللوحة من على الجدار وألقى على الصندرة نظرة قبل أخيرة.. سوف يعود لكن بعد ما يفرغ من البحث في الشقة..
**************
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ma3arif.ahlamontada.net
مدير المنتدي
المدير العام
المدير العام
مدير المنتدي


أوسمة أوسمة : وسام الإداري المميز
عدد المساهمات : 734
نقاط التقييم : 12165
تاريخ التسجيل : 13/05/2009
العمر : 37
الموقع : Sudan
العمل/الترفيه : د.صيدلي

أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق Empty
مُساهمةموضوع: رد: أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق   أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 17, 2013 5:58 pm

(2) :
يا لخيوط العناكب!
كانت تلتصق بثيابه وشعره.. كان الغبار يغطّي حاجبيه وأهدابه، وقد عرف هذا عندما رمش بعينيه، فصارت الدنيا كلها بلون التراب..
راح يسعل.. وبصق عدة مرات غير مبالٍ بأن الأرض اتّسخت.. البصقة مع كل هذا التراب تنظف مكانها!
هكذا جلس في الصالة على الأريكة المتسخة وراح يحاول تأمل اللوحة في الضوء القادم من الشارع..
كانت في إطار.. وكان الزجاج مهشمًا متسخًا.. حاول أن يمسحه بخرقة عدة مرات.. في النهاية أدرك أنه يرى رسمًا بألوان الماء (أكواريل) متوسط المستوى.. رسمًا من الطراز الذي يميّز من لم يؤتوا موهبة شامخة، لكنهم قادرون على استخدام أيديهم جيدًا.. كان هناك وادٍ يتلوّى.. وكان هناك بيت من طوب.. وكانت هناك فتاة حسناء تطل من نافذة في برج في أعلى البيت.. صورة رأى مثلها كثيرًا خاصة ما يمثل الحسناء الألمانية طويلة الشعر (رابونزيل)... أما شكل الوادي وشكل البيت فيدلان على أن من رسم الصورة لم يرَ أي واد من قبل.. هو يرسم ما انطبع بشكل طفولي في خياله.. كل الناس ترسم الجبل والنهر والوادي بنفس الطريقة ما دامت لم ترهم..
نظر للتوقيع فرأى اسم (حسام).. حسام هو الصبي الذي كانت خالته تربّيه..
ليس الرسم سيئًا بالنسبة لصبي في الرابعة عشرة أو أقل.
لكن ما أثار دهشته هو أن الصورة شدّته لها بقوة لا توصف.. الرسم ساذج أو هو -على الأقل- لا يوحي باحترافية من أي نوع، وبرغم هذا هو يشعر بلذة ما ذات طابع غريب آثم كلما نظر له.
هناك ذكريات معينة مبهمة يدغدغها فيه النظر لهذا الوادي.. النظر لهذا البرج.. كأنه يذكّرك بأشياء عشتها في زمن ما في مكان ما..
جفّف محمود العرق عن جبينه..
شعر بأن يده ترتجف بلا توقّف.. خطر له أن العرَض الذي يعرفه قد انتقل له. الصبي لم يكن على ما يرام عقليًا.. هذا واضح.. وقد نقل فيروسات الاضطراب النفسي للرسم بلا شكّ.. الفيروسات أصابت صاحبنا..
وضع اللوحة على المنضدة، وقرر أن يأخذها معه للبيت متى فرغ من مهمته..
الآن يجب أن يبدأ.. هناك أشياء عديدة صالحة للتخلص منها.. سوف يضعها جميعًا في كومة في الصالة بانتظار العودة مع حمّالين وسيارة نقل..
تسلّق للصندرة عدة مرات، وجلب الكثير من الأسطوانات العتيقة والحلي الزائفة والثياب المتسخة.. لم يعد التنفيض يجدي مع حالة ثيابه وشعره بل يجب أن ينزع ثيابه على باب الدار ويتخلّص منها..
ثمة أشياء مسلية فعلاً.. هناك لعبة تمثل كلبًا خشبيًا لو ضغطت على قاعدته أقعى على يديه وراح يحرّك ذيله أو أذنيه.. كانت عنده يومًا ما وضاعت ولعلها ذات اللعبة...
لو كان هنا شاي أو إمكانية صنعه لكانت الساعات القادمة ممتعة..
قرّر أن ينزل بعد قليل إلى المقهى المجاور ويشرب شايًا وربما حجرًا من الدخان.. لكن ليس الآن.. فيما بعد عندما يشعر بالإنجاز..
راح يدندن بصوت عال وهو يكمل البحث:
ـ "هيلا هوب هيلا... صلح قلوعك يا ريس..."
مجلات ميكي القديمة.. بالتأكيد لا تخص خالته ولا تخص الصبي.. هو يذكر هذه المجلات ويذكر غلافها وربما القصص فيها.. كانت له.. نسيها هنا يومًا ما بعد ما فرغ من القراءة، ولم ترحمها الخالة.. امتدت يد آلة النسيان لها فألقتها في الصندرة..
ما أجملها وما أعذب الذكريات برغم كل هذا الغبار.. ربما بفضل كل هذا الغبار...
سوف يأخذ هذه المجلات معه في رحلة العودة للبيت..
وابتسم في سخرية... لم تترك له خالته سوى الذكريات العذبة، لكنها لم تترك له مليمًا.. هو قد سئم الانتظار وسئم العواطف.. يريد أن يتحرك..
ريهام.. ريهام كانت هي المختارة وكانت هي الواعدة.. كانت تحمل الوسادة الأبدية الكونية التي سيريح عليها رأسه المنهك... لكنه كان مفلسًا تقريبًا ولم يستطع شراء الوسادة ولو بالأجل.. وهكذا توارت ريهام..
إنه قد تقدّم في العمر.. مع الأسف ليست سنًا مناسبة للبدء.. كان عليه أن يبدأ قبل الثلاثين، واليوم لم يعد من أمل سوى أن يجد تلك الزكيبة المليئة بالماس في درج خالته ويبيعها.. طبعًا لا توجد زكيبة كهذه، وهذا معناه أنه لن يظفر هنا سوى ببعض الذكريات..
صداع... هل حان وقت الشاي؟
مرّ من أمام اللوحة من جديد.. وألقى نظرة أخرى.
هنا رأى شيئًا لم يتبيّنه في اللحظة الأولى.. كان شيء قادمًا في الأفق البعيد.. شيء لا تستطيع تبيّن معالمه لكنه لا يبدو بشريًا.. تذكّر صورة مماثلة في كتاب أطفال قديم لزوجة ذي اللحية الزرقاء وهي واقفة في البرج تستغيث.. السبب طبعًا أن ذا اللحية الزرقاء ينتظر نزولها من البرج ليذبحها..
الفتاة في الصورة تلوّح بذراعيها في رعب..
هل كان هذا كله موجودًا؟ بالتأكيد كان موجودًا لكنه يشعر بأنه يراه لأول مرة.. غريب حقًا ما يحدث لقدرتنا على الملاحظة أحيانًا، ولعل أغنية شادية الرائعة "دوّر عليه تلقاه.. يا اللي عينيك شايفاه وبرضه بتدوّر" تلخّص الموقف فعلاً..
الباب يدقّ.. هل هو يتخيّل أم إن هذا صحيح؟
خرج إلى الصالة وقلبه يتواثب في صدره.. قلبه واهن ولا يحب المفاجآت..
وقف خلف الباب واستمع جيدًا ثم مدّ يده للمزلاج وأزاحه.. أدار المقبض وهو يتوقع أن يرى وجه البواب أو وجه الكواء أو....
لا شيء من هذا..
السبب أن الباب لم ينفتح.. حاول عدة مرات بلا جدوى، وأدرك أن الباب ملتصق أو محشور.. قال بصوت عال وهو يدق الباب:
- "الباب مغلق.. ادفع من ناحيتك".
سمع صوتًا مكتومًا... ربما هو أقرب لزئير أو سعال مكبوت.. وشعر أن هناك من يدفع بلا جدوى..
لا بد أن لسان كالون (اللاتش) تهشّم بالداخل.. معنى هذا أنه حبيس الشقة، لكن لا مشكلة.. بوسعه دائمًا أن يحطّم الباب بكتفه أو ينادي البواب من النافذة ليفتح له. عليه الآن أن يواصل عمله.. لماذا لم يُحضر الهاتف الجوال معه؟
متضايق هو لأن مهمة شرب الشاي والتدخين صارت صعبة فعلاً..
عاد لداخل الشقة وهو يفكّر: من كان القادم؟ لماذا لم يتواصل معه؟
هذه الجالسة في الضوء الخافت قرب باب غرفة النوم هي خالته طبعًا.. هذا واضح، وكان يتوقع شيئًا كهذا منذ جاء هنا..
سيدة مسنّة بقميص نوم رثّ ذات شعر أشيب مشتعل حول رأسها.. تجلس هناك على حافة أريكة وتنظر له...
خالتي.. كنت أعرف أنك قادمة لي..
هل تذكرين من أنا أم إن القبر جعلك تنسينني؟ لو كنتِ نسيتِ فأنا في ورطة حقيقية..
**********
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ma3arif.ahlamontada.net
مدير المنتدي
المدير العام
المدير العام
مدير المنتدي


أوسمة أوسمة : وسام الإداري المميز
عدد المساهمات : 734
نقاط التقييم : 12165
تاريخ التسجيل : 13/05/2009
العمر : 37
الموقع : Sudan
العمل/الترفيه : د.صيدلي

أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق Empty
مُساهمةموضوع: رد: أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق   أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 17, 2013 6:02 pm

(3) :
مشي نحو الشبح الجالس وقلبه يتواثب في ضلوعه..
لكن شيئا كان يخبره أن العجوز لن تؤذيه.. لن تفعل.. كانت تحبه فعلا، وعلى الأرجح لن تفعل سوى أن تشكو له، أو تصارحه بشيء يعذّبها..
وقف على بُعد خطوات منها ونبضه يتسارع..
لا تفكر في الموقف الآن.. لا تحاول تبيّن أبعاد الواقعة الغريبة.. لو أدركت فجأة أنك تقف أمام شبح فسوف تُجن، كما يحدث في أفلام الرسوم المتحركة.. توم يمشي فوق الهاوية في ثقة ويسر، فإذا نظر لأسفل واكتشف فجأة أنه يمشي فوق الهاوية صرخ وسقط من علٍ..
أنت لا تخاطب شبحا.. هذا الواقف أمامك ليس شبحا.. لا تعتقد هذا..
كانت تنظر إليه، وإن ظل وجهها في الظل.. هذا التأثير الشهير.. ربما هي تنظر إلى الجهة الأخرى.. لن يتبين الفارق لأن (وضع ثلاثة أرباع) الأمامي والخلفي يتساويان في الظل..
فجأة بدأت شجاعته تتخلى عنه.. بدأ يتراجع مبتعدا عن غرفة النوم.
وقف في وسط الصالة محاولا ألا يبعد عينه عن الشبح الجالس هناك.. محاولة إبعاد عينه في حد ذاتها جعلت عينه تذهب هنا وهناك..
هنا وقعت عينه على اللوحة..
لا بد أن هناك شيئا غريبا، أو هو قد تعاطى مخدرا ما.. لقد تغيّرت الصورة أكثر.. الشيء القادم في الأفق صار الآن يملأ اللوحة تقريبا وهو ينظر لأعلى نحو الفتاة الواقفة في البرج، كان شيئا مشعرا غامضا يشبه تلك الصور البلهاء التي يرسمها من يزعمون أنهم رأوا الساسكواش في أمريكا الشمالية.. بالتأكيد هو مخيف.. لا شك في هذا..
كان باب البيت مفتوحا في الصورة، وأدرك أن هناك جزءا من منضدة عليها شرشف أحمر تبرز من وراء الباب.. كل شيء في اللوحة يدل على أن الساسكواش سوف يدخل من هذا الباب بعد لحظات..
رفع محمود عينه..
هنا وجد أن السيدة الجالسة قرب غرفة النوم ليست هناك.. لقد رحلت كما هو واضح.. رحلت أين؟! إلى مكان آخر في نفس المكان؟! إلى موضع آخر في ذات الموضع؟!
أدرك أن باب غرفة النوم موارب.. الضوء الخافت يتسلل إلى هناك.. يرى منضدة عليها شرشف أحمر يبرز طرفها هناك، منضدة في غرفة نوم؟ غريب هذا..
اتجه إلى الباب ووقف للحظة عنده يتشمم الهواء.. ثم أزاحه ببطء.
هناك مصباح.. أضاءه واستطاع أن يرى الغرفة بشكل أوضح.. هناك فراش تم رفع حاشيته.. حاشية مقلوبة بتلك الطريقة التي تميز أسرّة المستشفيات عندما يموت المرضى.. وهناك منضدة أحضرها أحدهم إلى الغرفة ومن الواضح أنها لم تكن تنتمي إلى هذا المكان.. هناك خزانة ثياب مفتوحة.. ثياب رثّة ملقاة هنا وهناك، منها ثياب لا تخص خالته بالتأكيد.. هذه ثياب شاب مراهق بالتأكيد.. ثياب حسام..
يجب تفتيش خزانة الثياب بعناية.. تلك الأدراج الخفية التي تحوي ثروة من المجوهرات.. هي هناك دوما في الأفلام، فماذا عنها هنا؟
هكذا راح يعبث في الخزانة.. ثم انحنى وراح يفتش تحت الفراش..
نهض وجفف العرق عن جبينه و..
شيء تحرك في الصالة.. لا شك في هذا..
ليس شيئا بالضبط.. بل هو أحد.. له طول وعرض وارتفاع أحد.. هو ليس في الشقة وحده إذن..
هناك عصا غليظة يبدو أنها كانت تخص خالته.. وجدها مستندة إلى الكومود فهرع يمسكها.. لا بأس.. لها ثِقَل وطاقة وضع تغري بأن تتحول إلى طاقة حركة.. سلاح لا بأس به..
وقف يستجمع شجاعته خلف إطار الباب للحظة، ثم هرع خارجا من الغرفة..
لا أحد في الصالة.. هذه الشقة تعبث معه، وعبثها مرهق للأعصاب فعلا..
هناك أشياء تتحرك وأشباح ولوحة.. ماذا عن تلك اللوحة اللعينة؟
ألقى نظرة على اللوحة من جديد فأثار ذهوله أنها تغيرت من جديد..
هذه المرة كانت الفتاة الحسناء تقف متصلبة خلف باب غرفة، وهي تحبس أنفاسها كما هو واضح، وتحاول أن تلتصق بإطار الباب.. في يدها عصا عملاقة، في الخلفية هناك قاعة خافتة الإضاءة يمشي فيها ذلك الساسكواش.. واضح تماما أنه يفتش عنها وأنه لن يستغرق وقتا طويلا حتى يجدها.. سوف يرى هذا الباب ويدلف منه وعندها..
فجأة وقف الشعر على رأسه..
ما هذه اللوحة وما قصتها بالضبط؟
منذ قليل رأى أن الوحش يقف أمام غرفة فيها منضدة عليها شرشف أحمر.. نفس ما رآه في غرفة النوم، وفي الوقت ذاته مر شيء ما أمام الغرفة.. فهل كان الوحش؟
مشهد الفتاة التي تقف متصلبة وراء الباب والعصا في يدها.. ألم يكن هو في ذات الوضع منذ خمس دقائق؟
اللوحة اللعينة تعبث به.. هذا واضح..
نظر إلى اللوحة من جديد.. ليته يستطيع أن يلاحق التغيير، لكن هذا مستحيل.. لا بد أن يأتي التغيير في لحظة لا يراه فيها أو تبتعد عيناه.. هذه المرة يرى الساسكواش غاضبا وغضبه مجنون.. إنه يمزق ملاءات والدم يتناثر في كل مكان.. لا بد أنه دخل الغرفة ووجد الفتاة.. التنفيذ ساذج واللوحة نفسها بلهاء، لكنها برغم هذا دموية مخيفة توحي بجنون راسمها..
لن أنتظر لحظة أخرى في هذا البيت المجنون..
هرع إلى النافذة الموصدة وعالج الكالون ليفتحها.. يرى الشارع الآن ويرى السيارات ويشم الهواء ويشعر أنه أفضل حالا..
ـ "باسيونيه!".
ينادي البواب بسيوني بأعلى صوته.. لكن لا رد..
ـ "باسيونيه!".
بنغمة أعلى.. لا جدوى؛ هناك ضوضاء عالية في الشارع تخنق الصياح على كل حال، وجد كوبا متربا على مائدة الطعام فالتقطه وقذفه من النافذة ليتهشم على الإفريز.. لو لم يسمع بسيوني هذا الصوت فهو أصم والمشكلة كبيرة..
ثم نظر إلى الخلف فأدرك أن غرفة الصالون الداخلية مضاءة..
متى؟!
هو لم يدخلها ولم يلمس مفتاح النور فيها.. خالتي.. لا تعبثي معي أرجوك.. أنا خائف وقلبي ضعيف.. تعلمين هذا جيدا..
عندما عبر الصالة ألقى نظرة أخرى على اللوحة فوجد أن ألوانها ذابت لتصنع مشهدا جديدا.. هذه المرة كانت الصورة معكوسة.. الساسكواش يقف وعلى وجهه ضحكة شيطانية والدم يسيل من ركن فمه، وهو يلتصق بإطار باب غرفة بها قطع أثاث مغطى.. ما بدا منه مكسو بالأويما.. في الصالة الخافتة الإضاءة ترى الحسناء تمشي وهي لا تعرف ما ينتظرها وراء باب تلك الغرفة بالذات..
أويما؟ صالون؟
لو صدّق محمود اللوحة الظالمة لقال إنها تحذره من دخول الصالون, الشيء ينتظر هناك يا أحمق..
ماذا يفعل؟ سوف يظل هنا وينادي البواب إلى أن يشاء الله..
لكن.. كيف يثق بأن يعطي ظهره لهذه الصالة الملغومة ويصرخ باتجاه الشارع؟ لماذا ماتت خالته؟ ما الذي رأته بالضبط وجعلها تلفظ أنفاسها متخشبة؟
*********
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ma3arif.ahlamontada.net
مدير المنتدي
المدير العام
المدير العام
مدير المنتدي


أوسمة أوسمة : وسام الإداري المميز
عدد المساهمات : 734
نقاط التقييم : 12165
تاريخ التسجيل : 13/05/2009
العمر : 37
الموقع : Sudan
العمل/الترفيه : د.صيدلي

أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق Empty
مُساهمةموضوع: رد: أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق   أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 17, 2013 6:06 pm

(4) :
ـ "باسيونيه!".
هكذا راح يكرر النداء من النافذة.
مع الوقت كان يدرك أكثر فأكثر أنه في مأزق.. هذه الشقة ليست على ما يرام، والأسوأ من الشقة هذه اللوحة المائية التي لا تكف عن التغيّر..
هل اللوحة تتغير فعلا؟ ربما يخيل له ذلك.. ربما كانت اللوحة تعبيرا عن حالته النفسية لا أكثر، هذا وارد..
هناك غرفة الصالون.. كل شيء يقول إن اللوحة تحذّره من دخولها، وهذا سبب كافٍ كي يجرّب حظه، سوف يتوكل على الله ويأخذ نفسا عميقا ويتجه إلى هناك.
لقد رأيت الحسناء تمشي في الصالة غافلة بينما الوحش ينتظرها في الصالون، ماذا لو كنت أنت الفتاة؟ ربما أنت الوحش؟
مد عنقه ليُلقي نظرة داخل الغرفة المضاءة.. تبا لمصابيح الفلورسنت هذه.. الغرفة أمامه بالفعل ورائحتها هي رائحة الموت، رائحة الغبار.. دعك من الأثاث المغطى بالقماش بتلك الطريقة الكئيبة التي تذكرك بشواهد القبور..
لا يوجد شيء.. هناك نافذة موصدة بعناية وعليها ستائر متسخة لا يمكن معرفة لونها القديم..
هذه هي الغرفة التي وجدوها ميتة فيها، كالعادة هناك خادمة ما تأتي ثلاثة أيام في الأسبوع لتنظف الشقة وتبتاع الخضر.. وكالعادة تصل هذه الخادمة فلا يفتح لها أحد الباب، ثم بعد محاولات جهيدة تجد نسخة من المفتاح لدى البواب.. تفتح الشقة.. في غرفة الصالون تجد الخالة على الأرض متخشبة وقد فتحت فاها في صرخة صامتة.. الطبيب الشرعي قال إن الوفاة حدثت منذ زمن، وكان على التصلب أن يزول.. هذا لغز غير مفهوم..
ما الذي وجدته السيدة في غرفة الصالون أو ما الذي حدث لها فجعلها تصرخ؟ لماذا تخشبت؟
تبا! هذه الأفكار سوف تدفعك إلى الجنون فعلا.. قرأ ذات مرة قصة لهـ. ج. ويلز عن الرجل الذي بات ليلة كاملة في الغرفة الحمراء، فكاد خياله يقتله.. وفي الصباح أدرك أن الغرفة مسكونة فعلا.. مسكونة بالخوف ذاته..
هذه الشقة مسكونة بالخوف هي الأخرى في كل ركن..
ما الذي وجدته السيدة؟
أزاح الغطاء قليلا عن قطع الأثاث، لم تكن كلها من طراز الصالون المزدان بالأويما، هناك أريكة عريضة قبيحة الشكل لكنها عملية جدا، لدى محمود أريكة كهذه في بيته ويعرف أنها تستخدم كأريكة وكفراش.. وعندما تفتح فإنها تكون صندوقا للخزين كذلك..
أشياء كهذه قد تفوت رجال الشرطة الذين لم يأتوا ليفتشوا الشقة أو يحققوا في جريمة قتل، لقد كان عملهم روتينيا وأتمّوه بسرعة.
فتح الأريكة بعناية وبالفعل وجد أنها صندوق مفعم بأشياء عديدة.. أشياء تحتاج إلى شهر كامل من الفحص، لو خرج من هنا فسوف يعود مع خمسة أو ستة رجال..
هناك كراسات مغبرة متراصة، وهناك جهاز مذياع قديم، وأعداد من مجلة "هو وهي" التي كانت منتشرة في زمن خالته، الكراسات.. ماذا فيها؟
هناك رسوم.. رسوم بالقلم الرصاص الملون أو الباستيل.. وهناك رسوم بالأكواريل. ليست رائعة لكنها ليست سيئة كذلك، ويمكن القول إنها تخص ذلك الفتى حسام..
فتيات.. خيول.. مناظر طبيعية..
هناك مظروف مغلق عليه اسم الدكتور كمال عطية - دكتوراه في الأمراض العصبية والنفسية.. زميل كلية بباريس.
فتح الخطاب.. كانت بداخله ورقة بالإنجليزية وقد كتبت على عجل تقول:
"تحتاج حالة الشاب حسام عبد العزيز إلى رأي ثانٍ وثالث، على قدر علمي يسهل أن تصنفه كشخصية سايكوباثية، لكن الأمور أعقد من هذا، يعبر عن نفسه بالرسم كثيرا وهذه علامة صحية، وأعتقد أن رسومه جيدة جدا.. لكن قسوته على الحيوانات لا توصف.. كما أنه يتحرش بالفتيات، ولا يكف عن إهانة قريبته التي تقيم معه وترعاه كأم.. وأحيانا يضربها بقسوة، يتكلم كثيرا عن عبادة بعل وعن أنه ابن بعل الأكبر، وأحيانا يزعم أنه شيطان، قريبته متأكدة من أنه جرّب التهام الحشرات وجرّب اللحم النيئ.. تؤكد أن خزانته مليئة بقطط ميتة يقوم بتحنيطها، لا أفهم جذور هذه الحالة ولا كيف بدأت، لكني أحتاج إلى رأي آخر، وإنني لأقترح عرض الحالة على د. عزيز إسكندر لدى عودته من الولايات المتحدة في نوفمبر القادم، إن تشخيص الحالة كمس شيطاني سهل بالنسبة للعامة، لكن الطبيب النفسي يبحث عن أسباب ودوافع وتشخيص صحيح، وأعتقد أن د. عزيز يملك الإجابة عن أسئلة كثيرة، مثل منشأ هذه الشخصية السايكوباثية وجذورها".
كان محمود يحاول أن يفهم، لكنه على يقين من شيء واحد، هو أن خالته لم تفهم حرفا من هذه الرسالة، وهذا لأنها لا تجيد الإنجليزية، وإن أجادتها فسوف يستحيل إقناعها بأن الصبي ليس ممسوسا، لا يمكن أن تكون هذه الرسالة هي سبب موتها ذعرا.
هذا الفتى المريض نفسيا كان مولعا بالرسم.. وتلك اللوحة اللعينة رسمها يوما ما.. لا شك أنها تحمل الكثير من جذور المرض النفسي..
أين اللوحة بالمناسبة؟
خرج إلى الصالة وهو يشعر بإرهاق شديد.. اتجه إلى النافذة وأطلق صيحة "باسيونيه" أخرى على سبيل أداء الواجب، ثم بحث عن الرسم.. لقد تغيرت اللوحة من جديد.. هذا حقيقي.. هذه المرة يرى رجلين يلتحمان وامرأة تصرخ.. رجل قوي ضخم أصلع الرأس له شارب كث، وفتى نحيل ضعيف، لكن الفتى يحمل خنجرا.. ما معنى هذا؟
هذا البيت عبارة عن أسئلة بلا أي أجوبة.. لا شك أنه سيدفعه للجنون..
هناك غرفة واحدة باقية.. لا يعرف ما يوجد فيها.. عليه أن يدخل ويفتش وبعد هذا يجد طريقة للفرار، هكذا اتجه ليفتح الباب الأخير، كان الظلام دامسا بالداخل واصطدم بقطعة أثاث.. لما استطاع بلوغ مفتاح النور أدرك أنها أقرب إلى غرفة نوم أخرى.. هناك فراش مغطى، لم يكن يدخل هذه الغرفة لدى زيارته لخالته إلا نادرا جدا، ومن المنطقي أن المدعو حسام كان ينام هنا..
أما ما اصطدم به فهو آلة خياطة مغطاة.. آلة عتيقة تدار بدواسة قدمين.
لقد تحركت قليلا من موضعها فانكشف جزء من خشب الأرضية..
لسبب ما اتجه إلى الصالة وبحث عن اللوحة ثم حملها في يده عائدا للغرفة.. لقد تغيّرت الصورة فعلا.. يمكنه أن يرى الرجل الضخم الأصلع يقف والصبي ميت على الأرض والسيدة تمسك برأسها صارخة على الطريقة الباروكية، صورة بليغة جدا يمكن أن تضع عليها بالونات الحوار: لقد قتلته.. لم أقصد ذلك.. أنت قد جلبت علينا الخراب.. منك لله.. إلخ..
أدرك أن الرجل الضخم يقف في هذا المكان بالذات.. جوار الفراش..
نظر إلى خشب الأرضية المهشم..
رجل أصلع ضخم له شارب كث..
خاله..
خاله الذي ذهب لأوروبا واختفى تماما.. لا أحد يعرف عنه شيئا ولا أحد يذكره..
والفتى الميت على الأرض.. أليس هو حسام؟
اللوحة المائية تحكي قصة رهيبة إذن.. الخالة التي أصابها الرعب من ربيبها الشيطاني.. تتصل بأخيها ليأتي ويساعدها.. مشادة عنيفة بين الفتى والأخ الغاضب.. تهديد بالسكين.. الخال القوي الغاضب يقتل الفتى..
يقتله.. هنا بالذات..
في هذه الغرفة..
***********
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ma3arif.ahlamontada.net
مدير المنتدي
المدير العام
المدير العام
مدير المنتدي


أوسمة أوسمة : وسام الإداري المميز
عدد المساهمات : 734
نقاط التقييم : 12165
تاريخ التسجيل : 13/05/2009
العمر : 37
الموقع : Sudan
العمل/الترفيه : د.صيدلي

أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق Empty
مُساهمةموضوع: رد: أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق   أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 17, 2013 6:09 pm

(الأخيرة) :
وقف محمود في الغرفة التي بدأت الظلال تزحف عليها..
كان يفكّر في عمق..
القصة إذن واضحة جدا واللوحة تحاول أن تخبره بكل شيء.. الفتى لم يفر من البيت ولم يختفِ في ظروف غامضة.. الفتى قد قُتِل؛ قتله خال محمود في مشادة عنيفة، والسبب أن الفتى شيطاني غريب الأطوار.. كائن مخيف لا يمكن فهمه.. ربما هو شخصية سايكوباثية فعلا وربما هو ممسوس.. لقد فات أوان معرفة الحقيقة.
لقد مات الفتى.. وما فعلته خالة محمود هو أنها أخفت حاجياته والأوراق في تلك الأريكة وفي الصندرة، لكن اللوحة تحمل طاقة غير عادية.. اللوحة تحاول أن تتكلّم.. اللوحة تحكي قصة.
ماذا يوجد تحت هذه الأرضية الخشبية؟
من الظريف أن تحاول التخمين..
كنز علي بابا؟ حذاء سندريلا؟ حذاء الطنبوري؟ طاقم أسنان هتلر؟ مجوهرات لوكريشيا بورجيا؟
هناك في المطبخ سكين عملاقة؛ رآها عندما كان هناك.. أعتقد أنها تصلح.
هلمّ يا محمود.. إن الليل يتوغّل ولم يعد هناك الكثير من الوقت لتعرف فيه الحقيقة.. إن القصة توشك على الاكتمال؛ على الأرجح سوف ينفتح الباب تلقائيا إذا وجدت الحل.
هكذا جلب السكين ثم عاد.. جثا على ركبتيه وراح يعالج الأرضية.. حاول جاهدا رفع قطعة الخشب.. صبرا.. في مثل هذه المواقف لا بد أن تنكسر السكين ويطير النصل في عينك.. هذا حادث ينتظر أن يحدث.
يجب أن...
هنا وُضعت اليد على كتفه.. يد ثلجية جافة قاسية.. استطاعت برودتها أن تصل لجلده عبر الثياب.. للحظة دارت الدنيا من حوله وظهرت بقعة سوداء في منتصف الكادر، ثم راح يتنفّس بعمق حتى استعاد تنفّسه.. من الغريب أن قلبه ما زال صامدا.
نظر خلفه فلم يرَ أي شيء.. أسلوب الأشباح التي تتحرّك خارج نطاق الرؤية.. أسلوب بريطاني شهير في قصص الرعب.. على كل حال هو يُدرك الآن أن هذه الشقة تعجّ بالأشباح، وأنها تتحرك فيها بحرية تامة.. صار من السخف أن تتكلم عن شيء آخر.
واصل انتزاع خشب الأرضية.. أخيرا بدأ يلين.. قطعة خشب مهشّمة تتزحزح.. استطاع أخيرا أن يرى ثيابا.. ثيابا أتلفها القدم وإن كان قد تم لفها في لفافة صغيرة.. كانت ملوّثة بدم جاف عتيق أسود.. مدّ يده جاهدا حتى أخرج اللفافة كلها.
فردّها في حذر عالما أنه على الأرجح سيجد يدا مبتورة متعفنة، لكنه في الضوء الخافت رأى أنها تحوي خنجرا.. خنجرا شرير الشكل ملوثا بالدم.
كان يلهث بلا توقّف..
هذا سلاح الجريمة طبعا.. بهذا السلاح قتل الفتى في تلك المشادة.. كان في يده وانتزعه الخال منه بسهولة. روح الفتى الشريرة ظلّت تسكن البيت وتسكن اللوحة، ربما هي كذلك في مطاردة أبدية مع روح الخالة.
هذا هو السلاح.. لكن أين الجثة إذن؟
يمكن تصوّر سيناريو ريا وسكينة؛ حيث يتمّ تمزيق الجثة ودفنها تحت أرضية الغرفة ثم وضع الخشب من جديد، لكن هذه الفكرة لا تبدو معقولة لسببين: أولا هو لا يتخيّل خالته متورطة في عمل إجرامي بهذا التعقيد وهذه البشاعة.. إنها مجرد خالة كخالة أي واحد آخر.. خالة ممن يشهقن عند وضع خلطة الملوخية وتجيد عمل محشو الكرنب.. خالة من هذا الطراز لا يمكن أن تقف لتراقب أخاها وهو يمزّق شابا ويدفنه.. أين؟ في بيتها بالذات.
السبب الثاني هو أن هذه شقة سكنية.. سوف تسبّب الرائحة فضيحة لا شك فيها.. حتى في زمن ريا وسينة كانت الرائحة قاتلة، واضطرّ القتلة لإشعال البخور طيلة اليوم.
أين الجثة؟
هناك احتمال آخر هو أنه تمّ تمزيقها ثم نقلت في أكياس على دفعات.. إلى كومة قمامة في شارع بعيد أو تمّ التخلّص منها في مصرف.. فضّل الخال أن يدفن سلاح الجريمة هنا؛ لأن الجثث تظهر دائما في النهاية.. لا تتوقّع أن الخنجر سيبلى، ثم فرّ إلى الخارج وترك أخته في الشقة المرعبة.
مزيد من الاستنتاج يدفعك للاعتقاد أن شبح القتيل جعل حياة المرأة جحيما.. كان يطاردها في كل مكان.. النتيجة أنها سقطت ميتة وعلى وجهها أمارات الهلع.
إذن.. لماذا تحدّث أشياء غريبة هنا؟ ما معنى الساسكواش الذي يتحرّك في كل مكان؟ لماذا تتكلم اللوحة طيلة الوقت؟ لماذا هو حبيس؟
ترى ماذا تقوله اللوحة الآن؟
عاد يتأمّلها شاعرا برهبة حقيقة.. منذ فترة جلس شاب مراهق أمام هذه اللوحة ورسمها، لكنه في الوقت نفسه زرع فيها جزءا من خواطره وروحه الشريرة.. النتيجة أن ألوان الماء تذوب في كل لحظة مثل "الكاليدوسكوب" لترسم شيئا جديدا.
هنا رأى مشهدا لم يره من قبل.. هناك جثة مُلقاة في مكان فسيح، لو أردنا الدقة لقلنا إنها ملقاة في صالة شقة.
ما هذه الجثة الجديدة.. وماذا تحاول اللوحة قوله؟
خرج إلى الصالة من جديد، وقرّر أن يواصل الصراخ من النافذة.. سوف يلقي بأشياء أثقل.. ربما مقعد كامل يسقط في الشارع ويجذب المارة؛ بعضهم سيصعدون للشجار معه لكنهم بذلك ينقذونه.
الضوء خافت فعلا..
هنا رأى في ركن الصالة ذات السيدة.. السيدة التي لا يمكن تبيّن وجهها.. السيدة التي يعتقد أنها خالته.. مرعبة فعلا، لكنه لا يجرؤ على الدنوّ أكثر أو محاولة التفاهم معها.
استدار للخلف، فرأى للمرة الأولى في الضوء الخافت ذلك الفتى النحيل الذي يزحف في الظلال؛ كأنه لا يراه ولا يعبأ به.
يمكن القول بلا جهد إن هذا هو حسام..
الشقة مزدحمة بالأشباح فعلا كأي حافلة ساعة الذروة.. لا بد من الصراخ.. لا بد من طلب العون.
لكنه إذ توغل في الصالة أكثر رأى القدمين في ركن مظلم.. يسهل ألا تلاحظهما في البداية.. رأى الجسد الممدد على الأرض.. رأى الوجه الذي بدا عليه الهلع.. كل هذا كان في الصورة ولم يميّزه بسبب رداءة الرسم.
ثم إنه عجز عن تخيّل ذلك..
هذه المرة لم يكن هناك مجال للشك أو الحيرة..
هذا محمود.. محمود بالذات دون سواه..
بعبارة أخرى هو يرى جثته على بلاط الصالة.. لقد مات..
وقف محمود يرتجف ويفكّر.. بالفعل لم يعتد أن يصمد قلبه كل هذا الصمود.. قلبه واهن وبالتأكيد تخلّى عنه في وقت مبكر.. على الأرجح عندما رأى شبح خالته جالسا على باب غرفة النوم.
كان عليه أن يشك في هذا منذ البداية..
لماذا عجز عن فتح الباب؟ لماذا لم يسمع أحد صراخه؟ لقد فَقَد الكثير من وجوده المادي، وإن ظلّ قادرا على انتزاع الأرضية وفتح الأريكة وأشياء أخرى، وعلى الأرجح سيفقد هذه القوة عما قريب.
ربما لهذا السبب بالذات كشفت اللوحة أسرارها له؛ لأنه صار شفافا بشكل ما..
لقد صار قادرا على رؤية الشبحين بوضوح تام..
والآن.. هو يعرف ما سيحدث عندما تتصاعد رائحة العفن بعد يومين، ويجد رجال الشرطة جثة شاخصة البصر مذعورة في ذات الشقة اللعينة.. لن يفهم أحد أي شيء.. غالبا لن تقدم لهم اللوحة المائية إجابات.. سوف يجدون الخنجر الدامي وربما يخمّنون ما حدث بالنسبة للشاب حسام.
سوف تنغلق الشقة على ما فيها ويخشاها المستأجرون بتاريخها الملوّث، لكن هناك ثلاثة أشباح سوف تجول فيها للأبد... شاب ممسوس أو سايكوباثي جلبت روحه الشريرة اللعنة على المكان للأبد.. ورجل في منتصف العمر.. وسيدة مسنّة قتلها الرعب.. وكومة من العاديات ولوحات الأكواريل.
إن المستقبل يبدو واعدا بالفعل.
***

تمّت بحمد الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ma3arif.ahlamontada.net
 
أكواريل .. بقلم د. أحمد خالد توفيق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الرواية .. بقلم د. أحمد خالد توفيق
» زوزانكـــا .. بقلم د. أحمد خالد توفيق
» المدية الفضية .. بقلم د. أحمد خالد توفيق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي بستان المعارف :: المنتدي العام :: الادبـــــــــى :: اقرأ أونلاين :: د. أحمد خالد توفيق-
انتقل الى: